أيّها الوطنيون.. قولوا لي شيئاً عن الوطن، أين هو؟.. ما هو؟.. ممَ يتكون؟.. كيف تكون تفاصيله وعناصره وأشياؤه؟.. دعونا نبدأ بالمنطق، لنتحدث عن جروحنا وآلامنا.. عن وطننا المخطوف، وعن كل شيء يقودنا إلى الحل، بعيداً عن الحماسة التي لا تصلح إلا في تصريحات أفراد العصابة!.
ما هو تعريف الوطن لدى الحوثيين؟.. إنه كُنية وملزمة ورقية ومحطة بترول و»شاص» وقليلاً من «البردقان»!، هذا ليس وطنياً بكل تأكيد!، إنه حالة مختصرة للنهب الحوثي لكل شيء في البلد، فالوطن ليس جزيرة نائية، وليس صحراء يسكنها الريح، إنه أرض شاسعة يقطنها الناس وتجب فيها المواطنة المتساوية والحقوق والعدالة والقيم وكل هذه المصطلحات تتيبس حين تُسلخ عن جسد المواطن وترتديه جماعة رديئة كالحوثيين، قطعوا كل أسباب الوقود، ولم يخجلوا لأن الكهرباء لا تصل إلى البيوت والأسر اليمنية منذ 50 يوماً، ولم يرق لهم حياء وهم يتحركون بعرباتهم وكل الشعب يذهبون إلى أعمالهم راجلين، لم تصدمهم مناظر الطوابير الطويلة لانتظار الغاز والوقود والقمح والدقيق والدواء.
أولئك الوحوش لا يبحثون عن بدائل، لا يئنون لأنينك، لأنهم لا يهتمون!، سلكوا أيسر «الجهاد المزعوم» وهو أن تشتم أميركا، وتقتل المسلمين!، بالنسبة لهم لا مسلم إلا من كان معهم، وما دونه منافق، وداعشي، وإرهابي!، أوصافهم التي يطلقونها على الآخرين تتوالد كالأرانب، ويمكن أن يستبيحوا بيوت الآخرين ويهدمونها على رؤوس ساكنيها لأنهم «اتهموا» بالعمالة والخيانة بحسب معاييرهم، دون أن يملك المتهم حق الدفاع عن نفسه.
الحوثيون يملكون جهازاً قضائياً خاصاً بهم، وأعضاء نيابة خاضعين لهم، وشرطة سليبة يقودونها كالبعير، ومسؤولون بلا قرار صاروا كفزاعات الحقول، ترعب الطيور الجائعة، وهي مخلوق من القش والخرق البالية!.. يقول صديقي -عن سيارته التي استخدمها الحوثيون لنقل مجاهديهم إلى قرى الفقراء-: إنها كانت مخصصة لإسعاف الجرحى، فنهبوها كـ «غنيمة» واقتلعوا صفارتها المدوية، ولوحاتها وأزالوا كل معالمها وأدواتها الإسعافية، وتحركوا بها في كل الطرقات دون أن يسألهم أحد، هذه لصوصية وقحة باسم الله.
السعودية ليست عدواً.. وكل المحاولات البائسة لجعلها كذلك ستنهار أمام كمية الوعي التي تتخلق الآن في رؤوس اليمنيين الجوعى والجرحى، ستندهش مع كل قذيفة يطلقها الحوثيون على رؤوس سكان تعز وعدن وشبوة وأبين وإب، ومع كل طلقة رصاص تخترق بيوت الآمنين والمعارضين، ومع كل طفل يموت تحت أنقاض الحرب التي أدخلنا فيها الحوثيون مكرهين.. فالمعارك التي تخاض باسم الشعوب الآن، مغامرات دنيئة تتحدث عنهم دون أن يملك الكثير خياره برفضها أو توقيفها، أو مد يد السلام لتضميد الجرحى ولملمة ما تبقى من غبار الفوضى التي يستحلي الحوثيين التحرك في محيطها دون أن يصابوا بالخجل أو الحرج.
ما زالت السعودية تدفع لنا من رزقها ونفطها وقوت أبنائها، كما تدفع لمئات الدول والشعوب، هناك 3 ملايين مغترب يمني بداخل المملكة يعيشون على نفقة أهلها، ويعملون بجد وكدح وهم بلا مؤهلات!، ولا يعني السعوديين أن يعيشوا أو يموتوا، لكن حقوق الجوار تدفعهم إلى استيعاب كل أولئك العاملين بشرف وصمت، ومع ذلك فالحوثيون لا يحفلون بأمر عيشهم وأرزاق من يطعمونهم.. إذا احتسبنا أن وراء كل مغترب خمسة أشخاص يأكلون من تحت يده، فذلك يعني 15 مليون يمني يعيشون حياة جيدة بفضل المغترب، فهل يهتم الحوثيون لكل هؤلاء؟!.. بالتأكيد لا، وبصراحة قاسية فإن جائحة الجماعات الدينية التي غزت البلد السعيد أحالته إلى أطلال، وشردت أهله، ودمرت كل شيء يتوجب على كل متطلع يريد حكم اليمن أن يكون مسؤولاً عن حاجيات أمته وأمنها وأرزاقها.
أنا الآن في عدن.. أشاهد الموت ظاهراً في كل الأزقة والعيون، أنا من الحديدة التي أغلقت أبوابها وخسرت تجارتها واستلقى أفرادها على الشوارع بلا عمل، والحر يقذف بالسكان إلى الطرقات المظلمة، وكل الحوثيين في قصور الدولة ومنشآت الوطن، ينعمون بربيع النهب، وبكل شيء يمنحهم أسباب السعادة والتحرك بمال الشعب ومن جيوب دافعي الضرائب.
هذه الحرب ليست حربي.. بلى أقول ذلك، وأرفع إصبعي في عين كل جاهل لا يعي.. وأهتف صادحاً متألماً لأستذكر معه مغامرات كثير من قادة العالم النازيين والفاشيين والشيوعيين إذ أوصلوا بلادهم إلى الذبح وإتخاذ قرارات الطعن والقتل والحروب دون أن تمتلك شعوبهم خيار الرفض، أو الممانعة.. قاد أولئك البغيضون أممهم إلى الدمار، وفجأة امتلك الضعفاء وعيهم واستعادوا قرارهم، فانتحر هتلر، وتعلق موسوليني وعشيقته على خشبة تعذيب في ساحة عامة، وهرب غورباتشوف الغبي إلى الغرب بحثاً عن نظريته الفاشلة.
لا يريد الحوثيون أن يشاركوننا في «غنائمهم» وعرباتهم وأشيائهم ومباني الدولة وأراضي الأوقاف، لا يريدون إطعامنا مما يأكلون.. لا يريدون مشاركتهم في سياراتهم ومدرعاتهم وقمحهم وأغذيتهم التي يسوقونها علناً إلى بيوت أنصارهم لتخزين مؤنهم وتركنا بلا كسرة خبز، ذلك هو وطنهم السعيد، ولنا الحزن والأتراح والفتية المجاهدين!.. يتحدثون بضمير الجماعة حين تلتهب سماء صنعاء وتدك حصون صعدة ومخازن الذخيرة، ويشيرون بأصابعهم إلى صدورهم لما يأكلون نعيم الضرائب والأسواق وعائدات الزكاة ويجعلون المال وطناً.. يقتلعون دراهمه من عيوننا ومن محاجرنا الباكية ومن حصارنا الذي أودى بملايين إلى الهلكة.. هذا الوطن ليس وطني، وهذه اليمن ما عادت تصلح للعيش والتكاثر إلا في حدود الضفادع والحوثيين، هذه الحرب ليست حربي، وهؤلاء الصبية المختطفين من مدارس التعليم الأساسي ليشاركوا في الحرب القذرة ليسوا أهلي.. هناك الكثير من الأسئلة المحرمة التي تقودنا إلى اليقين، وأنا لست خائناً، لكني خائف ومرتعش.. أطفال آنس وعمران ومجانين مران يطوقون منزلي، يدكون كرامتي، يسحقون رزقي بأقدامهم ويتظللون بمكاتبات الدولة الهشة لتبرير عدوانهم وإضفاء الطابع الرسمي على البربرية الهمجية.. أنا شريد وجائع.. ملايين مثلي يموتون بلا سبب، وآلاف من أرضي يساقون لقتال المنافقين!، هل هذه هي اليمن أم شيء آخر.. مسخ يتخلق من رحم النفايات.. كائن مشوه يطل برأسه اللزج من شاشة أفلام الرعب ليجعلك خائفاً في منتصف ليلة الاختطاف.. أنا لا أحارب ولن أحارب وكل هؤلاء القتلة لا يمثلوني.. فأنا شريك في الموت ولا أستطيع اقتناص فرصة للضحك في حضرة السيد، فتلك وقاحة يعاقب عليها الأبرياء الساذجين أمثالي وأمثالكم.
لا بأس.. سأتراجع عما قلته وأدعي أن هذه حربي وحربكم، فهل تسمحون لأطفالي بالتحصن كأطفالكم، هل تؤوون أهلي بجوار أهاليكم، هل تمنحونني قمحاً أسمراً ولكم الأبيض، هل لي برغيفكم البائت ولكم الطازج، هل لي ببقايا سياراتكم ولكم جديدها، هل ألم شتات تشردي بخيمة مقطعة ومهترئة ولكم أحسنها وأجودها؟ هل أنا منكم.. واحد من أرضكم تهتمون لدمه وطعامه وكسائه وحقله ورزقه وأيامه.. يرتد الصدى موحشاً.. لا يا فتى!.. أنت مجرد بضاعة مسخرة لنا.. أنت تموت ونحن نحيا، فأجيب.. ألم يخلقني الله كما خلقكم؟، هل أنا من طين وأنتم من لؤلؤ مكنون!، هل أنا مواطن مثلكم؟.. لا أيها المتحذلق نحن لسنا مواطنين.. نحن البشر الأرقى..!، يا لتعاسة الفلاحين!.
أيها الوطنيون.. أقولها بمرارة.. لا يجوز أن يحكمنا الحوثيون.. هذه إحدى فترات التاريخ اليمني كارثية وإنحطاط، ومن غير المعقول أن يتخيل أفضل رأس في هذا الوطن التعيس أن يأتي زمن رديء يصير فيه قاطع طريق من آل سالم في صعدة حاكماً على قادة الجيش، أو أن يقفز بائع قات من حانوته الصغير ليصبح حاكماً باسم (الثورية العليا) ومخلوقاً له لسان إله! لا يجوز اعتراضه أو تغيير مسار قرارته المقدسة.
الله لا يقتل أحداً، وأنتم من يقتل وينزع روح الله.. أنتم أيها الوطنيون من يفعل ذلك ومن يأكل بثديي اليمن، واليمن بلا طعام.. فمتى يعود العقل من إجازته الطويلة؟.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
وإلى لقاء يتجدد،،،
نائب رئيس اللجنة الإعلامية لمؤتمر الحوار - الرياض