إن مواطن الخلل في نظامنا الإداري كثيرة منها ما هو مرتبط بالأدوات أو الأشخاص الذين يعملون فيه، ومنها ما هو مرتبط بنفس النظام أي الهيكل ومنها ما هو اجتماعي أو ثقافي.. وأنا أعتقد أن كل نظام أدواته كائنات حية هو بالتالي كائن حي، وهذا بالطبع عكس الأنظمة التي تسير آلياً أو ميكانيكياً، والكائن الحي قد يغالب الجراثيم ويهزمها، وقد يصاب بها ويتماسك تحت وطأتها، وربما استطاع العيش زمانا وهو يحس بها ويعالجها بمسكنات موقوتة، بيد أنه سيقع فريستها آخر الأمر، ما دام لم يتناول لها دواء يجلب العافية، ويحسم البلاء.
وفن الإدارة الحديث يعني أن تضع الخطط وتراقب التطبيق وتسد الثغرات، وتتعرف الأخطاء، وتحصي الوقت, ولا تترك شيئاً للمصادفات، وتجند المواهب.. وهذا الأخير.. تجنيد المواهب قد يكون هو السبيل لتحقيق كل ما سبق، بل ويحقق التحول النوعي على النظام بأسره.. وذلك حينما تتم رعايته وتدريبه وتقليده المناصب التي تحقق له الخبرة، ومع الوقت وحين يحين الوقت لهذه المواهب أن تمسك زمام الأمر في النظام، سيتحقق التحول النوعي الذي أعنيه.. فالموهبة أولا، والخبرة ثانيا، ومن ثم الإمكانيات هي أدوات النجاح لأي شخص وفي أي مكان خاص أو عام وبالتالي للوطن.
ولقد كنت أظن أن الأفضل يكون غالبا في المكان الأفضل، وأن كل مجتهد مقدر مهما كان، وأن أي مسئول يدير مسؤولياته باتجاه القانون الطبيعي المعروف، ألا وهو مصلحة النظام الذي يقوم عليه وبالتالي مصلحته الشخصية، ولكن يتضح جليا أن الأمور تسير بشكل مختلف.. إن مصلحة رب العمل ليست هي على كل حال مصلحة العمل.. فلكل مصلحته، وهذا بالطبع يكون في مصلحة المهملين وضد مصلحة المجتهدين.. فتجد المجتهد الموهوب في أنظمتنا الإدارية دائما تدور حوله الشكوك.. هذا يقول إنه يتطلع للمنصب الفلاني، وذاك يقول إنه يحاول أن يسرق الأضواء، والمحزن أن يكون أول الخائفين هم مدراءه المباشرين، بل قد يصبح هو» محور الشر «في النظام الإداري كما أن هناك محور شر في النظام العالمي.. سبحان الله..
إن المسئول هو من تتم» مساءلته»من قبل المجتمع أو من نصبه مسئولا عن المسؤوليات التي كلف بها، وهو له حقوق وعليه واجبات، وكثير من الناس يطالب بإلحاح ما له من حقوق، بل ويطلب بإلحاح ما يرى أنه حق له. أما الواجبات التي عليه يقينا فهو يماري فيها أحيانا، ويؤديها بكسل واسترخاء وبخس حينا آخر، وربما جحدها.. وما أكثر هذا الطراز من الناس.
إذاً المجتهد الموهوب عندنا يصاب بصدمة اسمها «صدمة المجتهد الموهوب»، أما من يؤدي عمله بكسل واسترخاء فقد يتقاعد من عمل ما، ويجد عملا آخر يقضي فيه ما تبقى من عمره، حتى يقاد بكرسي متحرك في ممرات الدائرة من كبر سنه، ثم يموت على مكتبه، ويصلى عليه في مسجد نفس المؤسسة، ويدفن في فنائها.. وعجبي.