في كلمة مختصرة جدًّا، قليلة الحروف، تحمل دلالة كبيرة ومعاني واسعة، يقول الملك سلمان في محاضرة له عن «الاعتدال في حياة الملك عبدالعزيز - رحمه الله-» في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة:
«إن ما تملكه المملكة العربية السعودية من ثروة مادية لا يرقى في الأهمية إلى ما تملكه من ثروة في العقيدة الإسلامية».
فهذه الكلمة ذات أبعاد سياسية وسيادية وأمنية واقتصادية؛ فمن قرأ تاريخ دول الإسلام المتقدمة والمتأخرة سيعرف هذه العبارة حق المعرفة، وسيدرك معناها حق الإدراك فلم تسقط دولة من دول الإسلام ولم يحتل عدوُّها أرضَها، وينتقص سيادتها ويشرد أهلها وينتهك حرماتها، لنقص في المادة أو قلة في العدة والعدد، بل إن ذلك يحدث حين يصير الدين والعقيدة والإيمان درجة ثانية أو ثالثة في الأهمية. فلو نظرنا إلى دول إسلامية معاصرة تملك من المقومات المادية العظيمة، ولديها من أسباب السيادة والقوة ما هو كثير ومتوافر، وعندها من أسباب العيش الرغيد والرفاهية ما عندها، فلديها البترول والأنهار الجارية والأرض الخصبة والتعليم المتقدم؛ لكنها ابتليت بسياسات تخالف العقيدة الإسلامية، وبمبادئ تضعف الإيمان والدين لدى الشعب.
فكانت النتيجة أن سقطت سياسيًّا، وانتقصت سيادتها وانتهكت حدودها، وشرِّد أهلها، واستبيحت أرضها لكل من هبّ ودبّ من أشرار الخلق، فلم تمنعهم الأسباب المادية من السقوط، ولم يحمِهم بترولهم وأنهارهم وخصوبة أرضهم من الانهيار والاحتلال والاختلال والتشريد.
ورسالة الملك سلمان من موجهة للمسؤولين والشعب في المملكة، بأن سيادة دولتهم واقتصادهم وأمنهم ورغد عيشهم مرتبطة كلها بدينهم ومتعلّقة بعقيدتهم قبل كل شيء، فكلما كانوا على دين الله، واعتقدوا بربهم العقيدة الصحيحة، ووقر الإيمان في قلوبهم؛ نالوا نتائج ما يملكونه من المقومات المادية. فليس البترول هو المعزّ والمذلّ، بل هو الله سبحانه وتعالى خالق البترول وواهبه، فقد قال سبحانه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (8) سورة المنافقون. فعلق العزّة بالإيمان، فليس البترول هو من يجلب الأمن والاطمئنان في الأوطان، وأكّد سبحانه وتعالى ذلك بقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام. فعلّق الأمن بالإيمان. وقال سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النور. فربط الأمن بالإيمان وهذا وعد منه سبحانه لا يخلفه، وليس البترول هو من يؤمّن رغد العيش، بل الإيمان كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف، وقال سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} (نوح:10-12). فليس البترول هو من يمنع العقوبة التي حلّت بأمم ودول تملك البترول نفسه الذي تملكه المملكة لكن لا يمنع العقوبة إلا الإيمان، فيقول سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرونَ} (33) سورة الأنفال، وقال سبحانه: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} (112) سورة النحل.
فالخلاصة أنّ البترول هبة عند غير السعودية والسعوديين من دول وشعوب احتلت دولهم وانتقصت سيادتهم، واختل أمنهم وذهب رغيد عيشهم، فلم ينفعهم بترولهم ولم يمنعهم لما اختلّ الإيمان وانتقضت عرى العقيدة.
فعلى السعودية والسعوديين أن يعتبروا بغيرهم، وليعلموا أنه لولا إيمانهم وعقيدتهم لما وُفِقوا، ولما هدوا لجعل البترول سببًا لسيادتهم وأمنهم ورغد عيشهم، فلا يمكن أن يستفيد المسلمون -وهذه خاصة لهم- من البترول في صناعة السيادة والأمن والاقتصاد ورغد العيش إلا بتوفيق من الله، ولا توفيق منه عزّ وجلّ إلا بإيمان صادق وعقيدة صحيحة.