يتهيأ العالم بأسرة بدخول شهر مميز عن بقية شهور السنة، لكن مكانته عند المسلمين لها شأنٌ خاص فليس كبقية شهور السنة فهو شهر الصيام والقيام لله عز وجل، وهوشهر الطاعات والقُربات وله من الآثار على الفرد ما لا يمكن تجاهله من تزكيه النفوس وإصلاح القلوب وحفظ الجوارح والحواس من الفتن والشرور وتهذيب الأخلاق وحصول عظيم الأجر وتكفير السيئات المهلكة والفوز بأعالي الدرجات بما لا يوصف، فضلاً على أنه عملٍ أختصه الله من بين سائر الأعمال ففي الصحيحين عن أَبِي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: عنه سبحانه (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به).
فشهر رمضان المبارك فضله عظيم وثواب أهله جزيل فهو شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيان من الهدى والفرقان) قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} البقرة (185)
شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتسلسل فيه الشياطين ومردة الجن.
فالصوم جُنة من الشهوات والمحرمات وجُنة من النار فعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه الله عنه قال: قال صل الله عليه وسلم: (الصوم جُنّه يستجن بها العبد من النار) رواة الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ومعنى الصوم جُنّه: أي أنه يقي الصائم مما يضره من الشهوات ويجنبه الآثام التي تجعل صاحبها عرضة لعذاب النار وتورثه الشقاء في الدنيا والآخرة.
والعمرة فيه تعدل حجة كما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صل الله عليه وسلم: (فإن عمرة فيه تَعدِلُ حجّه)
إن رمضان شهر تجاب فيه الدعوات وتكشف فيه البلوى والملمات وتعتق فيه الرقاب الموبقات فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها فيستجاب له (وكرّم حبيبنا المصطفى الصائم ورفع من قدرة حين ذكر رائحة فمه وكراهتها وهو صائم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك).
وأخبرنا كذلك أنه سبحانه خصص باباً في الجنة للصائمين يسمى الريان ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لايدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أُغِلق فلم يدخل منه أحد).
هذا شهر رمضان أحبتي وهذه فضائله ومكانته فكيف الحال في إستقبال هذا الشهر العظيم؟
علينا أن نفرح جميعاً بقدوم الشهر فنعتبره موسماً من مواسم الطاعات واستباق الخيرات ومنافسة أهل الخير والصلوات وكثرة الإحسان والصدقات والتقرب إلى الله فيه بقراءة القرآن وسائر القُربات وأن نمتنع عن الشهوات والملذات في الدنيا لنيلها في الآخرة إن شاء الله، فشهر رمضان موسم من مواسم التنافس في الطاعات واستباق الخيرات. والله يجري فيه من الأجور ما لا يجري في غيره من الشهور، وفيه يجب المحافظة على الصلوات والطاعات والبعد عن المعاصي والمحرمات ففي رمضان يجد في السعى وتعلو العزيمة أكثر.
رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتغلق فيه أبواب الجحيم وتصّفَد فيه الشياطين فتَقِلُ الخطايا والسيئات. فلا تضاهي فرحة المسلمين بتلك الأيام التي لن تتكرر عليهم كل عام فيحيونها بأرواحهم وأنفسهم. أوليس من نعمة الله أن تمر بالإنسان في كل عام أيام يحيا فيها مع نفسه حياة تختلف عن تلك الأيام التي تعودها في بقية عامه وتكون كفارة لخطاياه وذنوبه.
إنَّ عاتقا حملَ هموماً وغموماً وأحزاناً وآلاماً وذنوباً وخطايا لعاتقٌ منهك ضعيف يحتاج إلى العون والنُصرة، وكم هو سعيد ذلك العبد حينما يلقي عن عاتقه تلك الهموم والغموم وتلك الذنوب والخطايا وتلك الأحزان والآلآم ويلقيها بين يديه متضرعاً له في هذا الشهر، كم هو سعيد حينما تغمره رحمة أرحم الراحمين في هذا الشهر فيكون فيه من المعتوقين.
إننا حين نتهيأ لاستقبال شهر الخيرات والطاعات علينا استقباله بما يلي: -
أولاً: بالفرح والبشر والسرور وانشراح الصدر مستشعراً نعمة الله عليه حين بَلغه رمضان ومستشهداً منَّة الله عليه حين أدرك رمضان ويهنئ أهله و أقاربه وجيرانه كما كان الرسول الكريم يفعل.
ثانياً: بالتوبة النصوح الماحية لجميع الذنوب التي وقع فيها طيلة العام وليست التوبة خاصة برمضان بل هي واجبة في كل الأوقات فكلَّما أحدث العبد ذنبا فليحدث بعده توبة ولكن في رمضان القلوب مقبلة وفضل الله وعفوه ورحمته فيه أعظم فخسر ورغم أنفه من لم يغفر له في شهر رمضان.
ثالثاً: بإخلاص النية لله تعالى في صيامه وقيامه فمن صام رمضان وقام إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
رابعاً: بالعزيمة الصادقة والمبادرة في الأعمال الصالحة ويتنافس في عمل الخيرات والتماس طريقها من قراءة قرآن وذكر وصلوات وصدقات وزكاة إلى غير ذلك من الأعمال التي يُضاعف أجرها في رمضان.
ويجب التنوية لأمرٍ قد يغفل عنه بعض الجاهلين بهذا الشهر وقدسيته.. فبعض الناس يبتعد عن المعاصي أثناء صومه فإذا أفطر شرَع في ارتكابها بل ربما أفطر عليها, وبعض الناس لا يعرف من صومه إلا أنه يترك الطعام والشراب فقط، فتجده أثناء صومه يسب ويشتم ويلعن ويصخب ويضيع الصلوات ويرتكب المخالفات، وصدق في حق هؤلاء ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( رُبَ صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَ قائمٍ حظه من قيامه السهر) رواه أحمد وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة وقال الألباني حسن صحيح.
فنسأل الله تعالى أن يبلغنا هذا الشهر الكريم ويعيننا على صيامه وقيامه ويجعلنا من عتقائه ونحن نرفل بثوب الصحه والعافية والأمن والأمان في هذا البلد الحبيب وسائر بلاد المسلمين.