لستُ مؤرِّخاً لأكتب تاريخ رجل وقف لهيبته ملوك ورؤساء دول، وحيّر في تصريحاته دولاً، رجلٌ حوّل ونقل دفة بعض القرارات إلى صالح الأمور.. تمنيتُ أن يكون هناك كتبٌ تحكي قصة ما خلف كواليس هذا الرجل العظيم. فقد شغف الكثير في سماع حديثه وارتجاله في الرد في كثير من المؤتمرات والمحافل والاجتماعات، فلم يكن متعصباً أو متردداً بل حازماً تجند له الحروف والجمل في مجموعة كلمات تفي بغرضها وفي لحظتها.. لم يكن قرار إعفاء الأمير سعود صعباً في اتخاذه حينما أُعفي، بل إنّ صعوبة القرار لمن يحمل حقيبته حقيبة الخارجية من بعده.
فالملك سلمان كتبها في برقيةٍ له معنوناً «من أصعب الأمور علينا وأثقلها على أنفسناً»، ففي لحظتها جمع الملك روح الأبوة وروح القيادة في تلك الأحرف.
وبعد قرار خادم الحرمين الشريفين لم يكن للمغردين سوى حديث رجل عاصر ملوكاً كانوا لهذا البلد خير وليٍ لها، حتى وصل به المنعطف الأخير بتقبيل يد سلمان الحزم في طلبٍ يصبو إلى قبوله.. حتى قبل الملك طلب الأمير وهو من أصعب الأمور كما قالها خادم الحرمين الشريفين له.
ففيه قال الكبار عباراتٍ هي شواهدٌ تبقى ما بقيت، فقد عاصر كثيراً من الأحداث وكثيراً من رجال الدول، وبدهائه وذكائه استطاع أن يقوي اسم المملكة العربية السعودية خارجياً في جميع الظروف، فقد أكمل الأربعين عاماً في إدارة الشؤون الخارجية في وزارته وعرَّف العالم أنّ المملكة العربية السعودية لا تنحني لأحد ولا ترضى بأن تكون مكاناً للخلافات ومجمعها، حيثُ قال عنه كبار قادة العالم ومنهم رئيس الاتحاد السوفيتي الأسبق غورباتشوف لو كان عندي رجل مثله لما تفكك الاتحاد السوفيتي، وقال مليبان وزير خارجية بريطانيا السابق إنه أعطى للسعودية قوة خارجية لا يستهان بها، وقال الرئيس السابق للعراق صدام حسين لو لديّ شخص مثله لسيطرت على العالم.
وسئل صدام أيضاً من الرجل الذي تخشاه؟ قال إنه سعود الفيصل، فهو من أدهى وأهدأ من قابلت في حياتي، فحينما كنت في حرب إيران جعل العالم كله معي، وبعد أن دخلت دولة الكويت قلب العالم كله ضدي.
وهذا جزء بسيط من كلام رجال وقفوا أمامه إجلالاً منهم له من شخصية تستحق أن ترفع له التحية دائماً، وفي نهاية كلامي لازلتُ أتمنى أن أقرأ تفاصيل هذا الرجل في شخصيته الداخلية والعملية، ففيه مدرسة نتعلم منها كيف ندير الحوار وكيف نحكم عقولنا قبل قلوبنا وكيف ندبر الأمور وسط مشكلاتها.. ففيك أرى شغفاً لمن أنت وكيف كنت وأصبحت الآن رمزاً يُفتخر به.