سأحاول أن أتحدث بشكل علمي مبسط ودقيق، عن إساءات خطيرة لنعمة السمع.
والمقصود بث بعض المعرفة اللازمة لحماية المجتمع من آثار المبالغة في مستويات الصوت في أماكن عامة، وذلك عن طريق مكبرات الصوت.
هذا الموضوع يجب أن يكون واضحا للجميع، خاصة الأطباء المسؤولين عن اضطرابات حاسة السمع الذين يحملون مسؤولية أخلاقية عن حماية السمع -أيضا-، وليس فقط علاجه.
ولا يفيد في كثير من الأحيان انتظار تخطيط السمع ونتائجه، حيث إن الكثير من التشوهات السمعية الناتجة من التعرض للأصوات العالية، غير قابلة للعكس أي العلاج! وهو ما يسمى بـ noise-induced hearing loss (NIHL) أو فقدان السمع الناتج عن التعرض للضجيج (أو الأصوات العالية).
يمكن في يومنا هذا قياس مستويات الصوت بسهولة عن طريق الهواتف الذكية، حيث يتم تحميل أجهزة قياس مستوى الصوت وواحدته الديسيبل.
وقد طلبت من طلابي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تحميل أجهزة قياس الصوت في هواتفهم الذكية وكانت النتيجة الدراسية رائعة إذ إنهم تمكنوا من السيطرة على مستويات الصوت في تجربة صوتية وإجراء قياساتهم المختلفة ومنها سرعة الصوت مثلا بدقة كبيرة.
وأكدت نشرة من جامعة وست أونتاريو أن أجهزة الآيفون بالذات أثبتت جدارة ودقة في قياس مستوى الصوت حتى مستوى 85 ديسيبل مع انخفاض الدقة قليلا عند مستوى 95 ديسيبل فما فوق.
الدراسة نفسها تذكر أرقاما مخيفة في تزايد عدد المواطنين الشباب (بين 12 و19 سنة) الذين يعانون من تراجع في السمع.
هذا وقد استخدمت أحد التطبيقات الصوتية التي اختبروها ووجدوها جيدة.
أتمنى على أطبائنا أن يقوموا ببحوث كهذه وأتوقع بناء على قياساتي لمستوى الصوت في أماكن عامة أن الوضع عندنا سيكون مؤسفا بالنسبة لانخفاض مستويات السمع نظرا للمستويات العالية للصوت.
لقد استخدمت -كما قلت- أحد هذه التطبيقات لقياس مستويات الصوت في حفلات زواج تستخدم فيها الطبول مع مكبرات صوت وكانت النتائج تفوق الحد السليم (85 ديسيبل) بكثير. في مساجد الجمعة كانت النتيجة مشابهة.
هذا وأقول للقارئ إن كنت تشكو من طنين مستمر فعليك إجراء تخطيط للسمع. وحتى لو لم تلحظ انخفاض السمع لديك حاول أن تحصل على تخطيط للسمع ولا تنتظر الانخفاض الواضح بل حاول تحديد وضعك السمعي حاليا. وحاول أن تحمل برنامجا لقياس الصوت بواسطة الآيفون، علما بأن الدراسة التي تحدثت عنها تتحدث عن دقة أقل في تطبيقات الأندرويد (أقل من دقة تطبيقات الآيفون).
أتمنى من المسؤولين عن المساجد وعن أي مكان ترتفع فيه الأصوات أن يحددوا مستوى للصوت يمنع من أذى الناس. مثلا مستوى 75 ديسيبل عندما يكون الصوت في أعلى مستوياته، وليس مستويات تؤثر بشكل غير قابل للعكس على السمع كتسعين ديسيبل مثلا.
وعسى أن يطور مهندسون لهم مكبرات صوتية يتم التحكم بتضخيمها للصوت أوتوماتيكيا؛ أي كلما زاد انفعال الخطيب ورفع صوته كثيرا يقوم مكبر الصوت بخفض تضخيمه للصوت أوتوماتيكيا للوصول إلى المستوى المحدد.
وأسأل الله ألا ينزغ الشيطان بيني وبين قراء أسعى لوقف الأذى عن سمعهم فيعتقد بعضهم -لا سمح الله- أن في كلامي إبعادا لهم عن المساجد. لا والله، خاصة صلاة الجمعة ومكانتها الكبيرة. أسأل الله أن يعين من بيدهم الأمر على تحويل مساجدنا إلى أماكن يسمع فيها ما يرضيه بوضوح تام وبدون التعرض لمستويات صوت ضارة، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
د. فداء فؤاد العادل - أستاذ للفيزياء في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. حاصل أيضا على الأستاذية في الفيزياء من اللجنة الوطنية للجامعات الفرنسية وعلى بعض الأوسمة العلمية. عمل كمندوب دائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو لأكثر من أربع سنوات.