تشرذم أمتنا العربية وصل إلى مبلغ كبير من الاستنزاف البشري، حيث أصبحت مرحلة النمو المفترضة تواجه بمعيقات أخلاقية سلطوية اختزلت من خلالها مفاهيم التطور إلى مفاهيم مصلحة الفرد، وأقصت المجتمع لكي يسهل تفككه وتشرذمه، ويتحول بناء العقل البشري إلى بناء للتهميش والشيطنة.
هذه المرحلة أكاد أجزم بأنها أسوأ مرحلة تعيشها أمتنا منذ الثورة العربية الكبرى التي استحدثت واقعا عربيا جديدا يرى في تكتلات العرب كيانا واحدا لا بد أن ينهض وينافس في التطوير والتحديث وملاءمة الواقع الجديد.
وبالتأكيد أي مرحلة للنهوض الحقيقي ستواجه بمعيقات المنافسين لهذا الوضع الوحدوي، ولأن العرب عماد النهضة والنمو الحقيقي لشعوب الأمة فقد نالها نصيب كبير من الفتن والمؤامرات من داخل المنظومة العربية ومن خارجها، وفتح المجال لضرب النسيج الاجتماعي بسبب الاختراقات وهشاشة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ليساعد ذلك في توغل هؤلاء من أعداء نهضة الأمة وتأخيرها وجعلها في آخر الركب دائما وأبدا.
وبقيت هناك محاولات خجولة لاصطفاف عربي حقيقي على مدار الخمسين عاما الماضية، إلا أنها فشلت في تحقيق الحلم العربي الكبير وبقينا رهينة لعوامل خارجية وداخلية تستمر في إعاقة نمو الفرد لصالح الجماعة وتحولت الجماعة إلى الارتهان لمصلحة الفرد كنتيجة طبيعة لكسر روح اللحمة والمصير والواحد.
ولم تكن بلاد الحرمين بمنأى عن ذلك وإن كانت بطريقة غير مباشرة، ولكن علم القيادة السعودية بتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي أوصلها لاعتقاد أن مرحلة معينة من تاريخ الأزمة التي تضرب مجتمعاتنا يستوجب حكمه معينة وفي مرحلة آنية يستوجب حزما، وصولا للمرحلة اللاحقة التي هي بعنوان الأمل.
نعم، حكمة فحزم فأمل، إنها أيقونة سياسية فرضت واقعا للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي السعودي بقيادة الملك سلمان تنتصر للحمة وللمصير الواحد وتضرب بيد من حديد كل ظالم مجرم في بقعتنا العربية الطاهرة، استخلصت العبر وتركت المتأزم يغوص في مستنقع إجرامه حتى حين.
حتى تضرب عاصفة الحزم الوعي العربي بمختلف مشاربه ومذاهبه وفي الصميم، صميم الواقع العربي المطلوب أن نلتف حوله، مشروع بدأ بضرب رؤوس الفتنة حتى تختل معطيات المرحلة الصعبة التي أثرت علينا جميعا، وتثمر طموحا وأملا في مرحلة تحتاج إليها الأمة وبشغف كبير، تتطلع من خلاله لواقع عربي سيادي لا يستطيع كائن من كان التجرؤ على العربي في دمه وعرضه وماله مرة أخرى.
لم يكن من السهولة بمكان توقع مبادرة عربية شهمة، نافذة وقاتلة تتزعمها زعامة الملك سلمان وتقلب الطاولة في وجه كل قوى الإقليم والعالم ممن ينتظرون الفرصة السانحة للانقضاض على الضحية كما يزعمون، أتت مباغتة من رجل قليل الكلام كثير الأفعال، إنجازاته تتحدث عنه داخليا وخارجيا حتى اكتوى وعينا العربي بقيادة ودهاء وشجاعة الملك سلمان رعاه الله.
اليوم تصطف شعوبنا العربية للتضحية والفداء في سبيل ردع الطغاة ممن يمتهنون عربدة الشوارع، ومبايعة القائد العربي لإدارة هذه المرحلة والرضا بالثقة في اختيار رجالات المرحلة الحالية خلف الزعيم ومنهجية ورؤية القائد.
إنها باكورة العمل السياسي المحترف التي دشنت لمرحلة أكثر عمقا وتجذرا لاستئصال السرطان وعلاج الجرح الغائر وتطهير الأرض من قوى الظلام حتى تكون عواصف من الحزم والأمل مجتمعه لن يضرها أي متخاذل، بل على العكس، لأن الهمة العالية تجلب جموع المؤيدين التواقة للعدل والاعتزاز بسواعد الأمة وبالتالي ستتراجع قوى الشر إلى جحورها التي خرجت منها في لحظة تيه وغفلة، وسيعاد تحريك بوصلة الأمة للجهة التي تثمر قوة وعزة ووحدة على قاعدة الدم والمصير الواحد.