لا شك أن توطين الكفاءات من أصحاب الخبرات والرؤى المستقبلية، خيار إستراتيجي بل هو ضرورة لأي دولة للاستمرار في البرامج التنموية والنهضوية، هذا الخيار يتطلب رفع كفاءة وقدرات الشباب الوطني من خلال مخرجات تعليمية وبرامج تأهيلية وتدريبية تتوافق مع احتياجات سوق العمل، ليصبح الشاب قادراً على تولي موقعه الوظيفي بكل اقتدار، ويصبح منافساً قوياً في السوق.
إن عملية تطبيق السعودة تُعتبر تحدياً كبيراً، فهي تقوم على إحلال الكوادر البشرية السعودية مكان غير السعودية في غالبية وظائف القطاع الخاص.
ومن خلال رصد برامج وزارة العمل في هذا الصدد، فقد سنّت قوانين وأصدرت لوائح وطرحت برامج أرى أنها كانت تتطلب المزيد من الدراسة والتمحيص، فقد ساهمت بعض برامج وزارة العمل في انشغال القطاع الخاص بهذه القضية، والتوقف عن تطوير وتوسيع نشاطه، مما دفعه للجوء إلى توظيف بعض السعوديين في وظائف وهمية وشبه وهمية لاستكمال نسبة السعودة التي تطالب بها وزارة العمل. ساهم هذا الأسلوب في تقليص أعداد السعوديين العاطلين عن العمل في الإحصاءات الرسمية والتقارير المنشورة، مع أن أعدادهم على أرض الواقع في ازدياد، واستمرت مشكلاتهم دون حل، لعدم تأهيل البديل، وافتقاده لمهارات وأساسيات الأعمال المنوطة به.
وأؤكد أنه لنجاح السعودة يجب النظر بعين الاعتبار إلى ثلاثة محاور رئيسة قبل سنّ القوانين والأنظمة المنظمة لهذا البرنامج، وهي الباحث عن العمل من السعوديين، والباحث عن العمل من غير السعوديين، وأيضاً قطاع الأعمال. فعلى وزارة العمل تقديم برامج تسهم في تأهيل ورفع كفاءة الشاب السعودي ليتناسب مع السوق واحتياجاته وتطبّق هدفها الرئيس، وهو تخفيض نسبة البطالة بين السعوديين بطريقة علمية يتحوّل فيها الشاب السعودي إلى منافسٍ للأجنبي.
وحتى يصل طالب العمل السُّعودي إلى مرحلة المنافسة على وظائف القطاع الخاص، يجب تأهيله تأهيلاً مهنياً في أساسيات ومهارات الوظائف العليا والوسطى، وهو لن يتأتى إلا من خلال عمل شراكاتٍ مع بيوت الخبرة في مجالات الاستشارات، ومؤسسة التعليم الفني والمهني، ونخبة من مديري أقسام الموارد البشرية في الشركات.
وعلى هذه الشراكات القيام بتحليل ودراسة إجراءات العمل والمهارات الأساسية لكل من الوظائف العليا والمتوسطة في كل قسم من الأقسام الوظيفية لكل قطاع من قطاعات الأعمال، وعلى سبيل المثال أن تقوم الشركة الاستشارية بحصر الوظائف العليا والمتوسطة في أقسام التسويق والعلاقات العامة في قطاع الاتصالات، ثم تقوم بتحليل إجراءات العمل والمهارات الأساسية للوظائف فيها، بالتعاون مع أقسام الموارد البشرية في شركات الاتصالات، وبناءً على ذلك يتم تصميم دورات مهنية تدريبية، تكسب طالب العمل السعودي الخبرة والمهارة لشغل هذه الوظائف، وتكسبه ميزة تنافسية مقابل غير السعوديين لدى شركات الاتصالات.
أما بالنسبة لطالب العمل غير السعودي، فيجب علينا أن نقوم بوضع الشروط والاختبارات الكفيلة باختيار ذوي الكفاءة والخبرة دون غيرهم، للحد من أعدادهم وتقليلاً من حدة المنافسة وإغراقهم لسوق العمل في القطاع الخاص، ويكون ذلك بتطبيق العديد من الإجراءات، منها عدم منحه تأشيرة عمل لمهنة معينة إلا في حال تقديم شهاداته الأكاديمية الصادرة عن جامعات معترف بها، وأن يُطبق بحقه ما يُطبَّق على السُّعودي من ناحية الاعتراف بالشهادات الأكاديمية، وأيضاً تزويد صاحب العمل بشهادة من قبل التأمينات ووزارة العمل في بلده الأم، توضح خبراته الوظيفية، والرواتب التي كان يتقاضاها قبل منحه العرض الوظيفي والتأشيرة التي تخوّله للقدوم إلى المملكة.
وعند قدوم طالب العمل غير السعودي، يجب أن تربط الموافقة على إصدار رخصة العمل له باجتياز اختبارٍ مهني في نفس مجال العمل الذي استقدم عليه، كما يجب - بعد توظيفه - أن يستقطع من راتبه نسبةٌ تماثل تلك التي تستقطع من رواتب السعوديين للتأمينات الاجتماعية، دعماً لبرنامج السعودة.
أما بالنسبة لقطاع الأعمال، فيجب ربط إصدار التأشيرات لقطاع الأعمال بوضع رخص استقدام عمالة مصنّفة كفئات، تضمن كل فئة عدداً معيناً من التأشيرات، تُمنح لهم بمقابلٍ مادي، غير الرسوم المفروضة لإصدار التأشيرة، ويختار طالب التأشيرات الفئة التي تلزمه بناء على عدد العمالة وتتم مراجعة نسبة السعودة بناءً على هذه الفئات، بحيث يتم اقتصارها فقط على المنشآت المتوسطة والكبيرة.
وللتأكد من تشغيل جميع من تم استقدامهم على هذه التأشيرات لدى صاحب العمل، يجب وضع برنامج بصمة يرتبط مباشرةً مع وزارة العمل، حتى يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق صاحب العمل، والعامل الذي يتغيب عن العمل الذي استقطب للقيام به دون عذر مقبول.
كما يجب علينا تأهيل القطاع الخاص لوضع برامج تهتم بالموارد البشرية، بهدف تطوير بيئة العمل للسعوديين، وتسهيل حصولهم على الخبرات والدورات والتدريبات ووقوفهم على أحدث التقنيات والأنظمة في مجال تخصصهم وأعمالهم، بالإضافة لدعمهم مادياً لتوفير أفضل التغطيات التأمينية الطبية.
وبهذا الأسلوب سيسهم برنامج السعودة في تحقيق العدالة بين جميع أطراف المعادلة الوظيفية والتنموية، حتى نحصل على نتائج فعلية وليست وهمية، تعمل على توفير كفاءات وطنية يحتاجها سوق العمل.