بدعوة كريمة من أبناء العم في محافظة الغاط وهم الأساتذة بدر بن عبدالرحمن العيسى عمدة المحافظة ومحمد بن يحيى اليحيى، وسلطان بن يحيى اليحيى شرفت وغيري بزيارة المحافظة ليلة الأحد 21-7-1436هـ في مجموعة كريمة من بلدان القصيم والسر والمصيبيحة البلدة المشتهرة زمناً مضى بصاحبها الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبدالمعين الشتوي صاحب المضيف الذي لا ينقطع زائره نهاراً أو ليلاً حتى ضرب فيه المثل وقصد لكرمه زمن الخوف والجوع، كما حضر معنا بعض أبناء العم من سدير والمحمل والكويت، وقد سبقوا وصولاً فتحقق لهم أن اطلعوا على كثير من معالم المحافظة من القصور الأثرية والمنتجعات السياحية، وحسناً أن اختارت جمعية الآثار والسياحة والمتاحف محافظة الغاط لتكون مركزاً سياحياً لتميزها موقعاً ولوفرة الآثار فيها التي لا يزال بعضها بكراً من الدراسة أو التنقيب ولأنها محاطة بأربع محافظات هي: الزلفي شمالاً - وللزلفي خاصية مع محافظة الغاط لما سيرد -والشماسية غرباً - والوشم جنوباً - وسدير شرقاً - وقد تأخرت والابن عبدالله عن ركب من سبقنا مجيئاً، فشاهدوا ما لم نشاهده، فالتقينا في مبرة معالي الأمير الفاضل يرحمه الله عبدالرحمن بن أحمد السديري - مكتبة الرحمانية - وما أجملها موقعاً وعمارة ومعلماً بارزاً في المنطقة عموماً لا في الغاط فحسب، ومن هذا الموقع وبعد تجوال في تلك المكتبة الفسيحة الجميلة، زلفنا إلى مكان الاجتماع حيث أعده الداعون في استراحة ندية وسط المدينة، فجلسنا في فضاء ينعش الروح ويبعد السأم، لا يحجبه سقف ولا يمنع العرف العليل عنه باب، وقد فرش فيه السجاد كأنما نحن في نزهة برية، نكتال النسيم من كل جهة، والأرض مزروعة في مخضل النبات الطري، المعروف بـ»الإنجيل» المحاط بالزهور النباتية، فكان الجو جميلاً، زانه طيب العرف، وحسن الحديث وجميل الاستقبال، وكريم الضيافة، وبينما كنا في الحديث فاجأنا مبشرا شئبوب من المطر أقامنا إلى مجلس هيئ في مقاعده وأجهزته ومكبرات الصوت إلى جهاز -بروكجتر- فألقى فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن محمد العامر مدير المعهد العلمي ورئيس المجلس البلدي وإمام وخطيب جامع الأمير تركي بن أحمد السديري -يرحمه الله-، كلمة ترحيبية جامعة على إيجازها في أبعادها الثلاثة، كانت من أجمل ما سمعته كلمة وأجمع ما وجدته فائدة، ومن ثم تحدث الأستاذ سلطان اليحيى من خلال جهاز -البروجكتر- مرحباً فشارحاً لنا عن كل معلم من معالم امحافظة، بالصوت والصورة من خلال ذلك الجهاز وكأننا نشاهده عياناً.
استعرض في حديثه ما أعد في المحافظة من مشروع للحياة الفطرية وما غرس فيه من آلاف الأشجار المتوائمة مع الجو والأرض ونوعية ما سيجلب لهذا المشروع من الآرام والغزلان والبدن، في شعابها وتلالها وجبالها، معرجاً بعد ذلك الشرح المستوفى على المتحف الأثري قصر الإمارة القديم، المعاد إلى جدته بشكله الأزلي، وبعد ذلك الشرح الجميل قمنا إلى مائدة العشاء المبالغ فيها كما هي خلال القوم، ومنه عدنا إلى مجلسنا فألقى كاتب هذه المقالة كلمة أوضح فيها الدافع والغاية من هذه اللقاءات شاكراً كريم الاستقبال وحسن الضيافة، طالباً اللقاء الثالث لديه في محافظة الزلفي، وقد شارك الشعراء إبراهيم الشمسان وعبدالله الغزي وناصر الوهيب في قصائد أضافت إلى جو الأمسية جواً ممتعاً، وقد كان اللقاء الأول تحت رعاية الأستاذين إبراهيم بن حمد السلمان، وفهد بن عبدالمحسن المحيسن في جلاجل، مبيناً المتحدث أن لبلدينا الغاط والزلفي خاصية مشتركة في التكوين الجغرافي في جبل طويق شرقاً والنفود غرباً والسهل الممتد بينهما والمسمى بالحمادة القائمة فيه المزارع لكلا المحافظتين، وأنه لا يسيل الغاط سيلاً غزيراً إلا ويفيض سيله إلى الزلفي لا محالة!! كما أن هناك صلات وثيقة بين مواطني المحافظتين نسبية ومصاهرة، وأنهم يشتركون في الخلال الكريمة والصفات الحميدة، ومن تلك الصلات القديمة أنه في القرن الأول من الهجرة وقع خلاف بين بني سليط (أهل الزلف) الزلفي، في فم يدعونه طمتها بنو حمان أهل السبيلة وأن رهط جرير بنو عوف بن كليب سكان (لغاط)
آنذاك سعوا فأصلحوا بين بني سليط وبني حمان في تلك البئر النقائض ج1 ص14، وعلى حد رواية أبي عبيدة، عن مسحل بن كسيب قال حدثتني أمي زيداء بنت جرير قالت فمر بنا الفرزدق حاجاً وهو معادل النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته حتى نزل بلغاط ونحن بها فأهدى له جرير ثم أتاه فاعتذر إليه من هجائه البعيث وقال فعل وفعل ثم أنشده جرير والنوار خلفه في فسيطيط صغير، فقالت قاتله الله ما أرق منسبته وأشد هجائه فقال لها الفرزدق أترين هذا؟! أما إني لن أموت حتى ابتلى بمهاجاته، قال فلم يلبث من وجهه حتى هجا جريراً، النقائض ج1 ص136. وأقول: وأظن أول قصيدة هجا فيها الفرزدق جريراً بعد مروره في (لغاط) أنها قصيدته المطولة ذات المطلع:
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
لا كما أورده صاحب الرواية القائمة على خيال مفرط، ولوجود (أعشاش) وهي أم عشاش الجبل المنتصب في طريقه إلى الغاط والواقع إلى الشرق الشمالي من المحافظة، ولما يستنتج منها ومن قصيدة جرير التي عارض الفرزدق فيها ولم يبلغ قصيدة الفرزدق طولاً على ما فيهما من تداخل فيما يتضح وإن لم يبين ذلك صاحب النقائض، كما أن من تلك الصلات القوية أنه وحين تولى كل من الأمراء، الأمير عبدالله بن سعد السديري، والأمير تركي بن أحمد السديري، والأمير محمد بن أحمد السديري، والأمير خالد بن أحمد السديري، والأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري، والأمير مساعد بن أحمد السديري، والأمير سعود بن عبدالرحمن السديري، أنحاء من المملكة بما يشمل أركانها الأربعة، حال توحيد المملكة، على يدي مؤسسها الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- أن خاصة أولئك الأمراء ورجال المهمات معهم أن جلهم من أهل الزلفي وما كان هذا عن صدفة، ولكنه لما يعرف عن أهل الزلفي، ولأن البلدين مشتركان في السمات والعلاقات، ومن أولئك الثلة الكريمة من أهل الزلفي: عبدالله بن حمدان العقيل وأخواه أحمد ومحمد، وبندر بن عبدالرحمن الخريصي -وما أدراك ما بندر- وأخواه فهد وأحمد، وفارس الجميل، وعبدالكريم البهلال وعبدالله السلمان، وأحمد الناصر الشايع، وأحمد بن ناصر السكران، وأحمد بن علي الطريقي، وأحمد بن عبدالعزيز الجوير الفراج، وعبدالعزيز الخزعل (العفاش) وعلي العصيمي، وسليمان العصيمي، وعبدالله بن سعود الجار الله وأخوه عبدالعزيز، ودهش بن برجس الدهش، وأخوه محمد وسليمان الفرهود، وأحمد بن ناصر الموسى، وأبناؤه وعلى رأسهم ماجد بن أحمد، وابن عمه أحمد بن عبدالعزيز الموسى، وعبدالعزيز الهزاني وفهد المحاسن، وعبدالله الغزي، وصالح الغزي، وأخوه الوالد محمد الغزي، ومحمد بن برجس الناصر، وعلي بن عبدالمحسن الموسى الملقب بـ-الرمالي-، ومحمد العواد، وعبدالمحسن النصار، وأسرة القصيبي من أهل الزلفي، وكثيرون لا تحضرني أسماؤهم رحم الله الجميع، وإنها لا تخفى علاقات أسر الزلفي بأسر الغاط منذ القدم نسباً ومصاهرة وخاصة في أسرة السديري، وقد أدركت ما هي عليه تلك العلاقات بين رجالات السدارى ورجالات الزلفي غير من ذكر، كما هو عن سليمان بن عبدالكريم العليوي، وعبدالمحسن بن محمد المسعر وغيرهما ممن سبقني زمناً فعرفت هذا رواية، ولهذا لا أرى أسرة في الزلفي أو في الغاط إلا وتجد المصاهرة الكريمة والعلاقات الحميمة والمحبالقائمة فيما بينهم منذ القرن الثاني عشر وحتى يومنا هذا ولاستمرارية هذه العلاقات نجد أن جائزة معالي الأمير خالد بن أحمد السديري والمرعية في كل احتفالاتها من قبل ابنه الكريم معالي الأمير فهد بن خالد السديري قد أشركت طلاب وطالبات محافظة الزلفي ضمن طلاب وطالبات محافظة الغاط دون تمييز وكأنهم طلاب محافظة واحدة، ومن ينسى هذا الجميل لا يؤبه به رأياً ولا مقاماً، وكم نجد من النشاز ولكنه مما لا يعتد به عند العقلاء، ولذلك فكم لي من مشاركات في مناسبات عديدة في محافظة الغاط أدعى إليها وتطلب مني المشاركة، منها حفل جائزة معالي الأمير خالد بن أحمد السديري المقام على شرف صاحب السمو الملكي حكيم زمنه يرحمه الله الأمير نايف بن عبدالعزيز يوم الخميس 8-1-1421هـ وقد شاركت بقصيدة عنوانها (بين المساعدية والخالدية)، ومنها المشاركة الثانية في الحفل المقام على شرف صاحب السمو الملكي أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز يوم الخميس 13-1-1422هـ والقصيدة بعنوان (ذرى المجد)، ومنها الحفل المقام على شرف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس جمعية الآثار والمتاحف والسياحة يوم الخميس 8-1-1426هـ والقصيدة بعنوان (هذه لغاط).