الرياض - خاص «الجزيرة»:
طالب المحامي والمستشار الشرعي الدكتور عبدالله بن مطلق المطلق بتحصين الشباب وحمايتهم من الأفكار الهدامة والجماعات المنحرفة والتيارات والمذاهب الضالة والمضللة، وأكد على ضرورة تفعيل دور المؤسسات التربوية والتعليمية وأنشاء محاضن تربوية وتثقيفية للشباب.
وقال د. المطلق إن صيانة الأنفس والأعراض من الأمور التي أوجبها ديننا فالمجتمع المسلم لُحمة واحدة، وجسد واحد، لا يبغي عضو على آخر؛ بل يئن حين يألم الآخر، ويحصل له الأرق حين يمرض أو يصيبه مكروه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى).
فإذا كان هذا هو المجتمع الإسلامي في قوته وصبره وجلَده وتماسكه داخلياً وخارجياً، وكان الفرد قد آمن بذلك، وعمل على تحقيق هذه المبادئ والأخلاق والانقياد والطاعة، فعلم علم اليقين أن دم المسلم محرم بكل حال، فإن ذلك مدعاة لوقاية الفرد من الغلو والتطرف، وإذا اجتمع الأفراد على هذا؛ كان المجتمع جميعه لبنة واحدة مما يكون سبباً لتوجهه نحو بر الأمان، ألا ترى أن نفس مسلم واحد بمثابة قتل كل من في الأرض من الناس، وأن اليد تقطع في ربع دينار -وهو مبلغ زهيد لا يتعدى (200) مائتي ريال- وأن الصائل يُقتل ودمه هدر لا دية فيه ولا تعويض، وأن الباغي على الحاكم يرد إلى حظيرة المجتمع -ولو بالقوة أو القتل- للحفاظ على بيضة المسلمين، ووحدة كلمتهم واجتماعهم واستقرارهم، وأن قطاع الطريق يُقتلون ويُصلبون ويُقطعون بشروطهم، وأن الزاني يرجم ويجلد بشروطه؛ فإذا ساد هذا الاعتقاد وهذا الفكر بين أفراد المجتمع عملوا على تحقيقه في الواقع، وعلموا أن دماء المسلمين وأعراضهم عليهم حرام كحرمة يوم عرفة، وحرمة مكة البلد الحرام، فكانوا يعظمون دماء المسلمين، ولا يغرهم من يدعو إلى القتل والتفجير والهدم وغيرها؛ لتيقنهم بأنها عليهم حرام إلى يوم الدين؛ فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).
وأكد الدكتور عبدالله المطلق على ترسيخ الوحدة والتكافل بين أفراد المجتمع ونبذ الفرقة: الإسلام جاء بما يقوي صلة الناس بعضهم ببعض، ويزيد من تعاونهم وتكاتفهم فيما بينهم؛ صيانة لحقوقهم، وحفظاً لدمائهم وأعراضهم ودينهم، وجاء بكل ما يقوي المحبة، ويوطد الأخوة، ويزرع التلاحم، ويبث الطمأنينة؛ فمتى ما أهملت المجتمعات هذه التعاليم الإلهية، والدروس النبوية التي تقيم شأنها، وتحمي بنيانها، وتوطد أركانها؛ فعندئذٍ يكون الضياع والدمار والتفكك والتباغض والتحاسد والتشاجر، ويعتبر التكافل الاجتماعي سمة لهذا الدين؛ فهو واجب ديني على الكفاية يتحتم على المجتمع القيام به؛ ولو بحده الأدنى من خلال بعض أفراد المجتمع وفاء للأمة بالمسؤولية الشرعية. وإن من أسباب الفرقة ونبذ الوحدة وجود العنصرية المقيتة والتحزبات بين أفراد المجتمع فيكون الولاء والبراء من أجلها فيحدث فرقة بين طبقات المجتمع المسلم وأفراده، وتتسع الهوة بينها؛ مما يولد والعداوة.
العنصرية والتفرقة
وقد واجه الإسلام هذه العنصرية والتفرقة بالنقلة إلى رحم الإسلام وأخوة الإيمان وكلمة التقوى، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }. فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما بدا من مظاهر التحزب والعصبية كبته حتى لحق بالرفيق الأعلى، ولا حزبية ولا طائفية، كل مسلم يحتضن كل الإسلام، ويحتضن جميع المسلمين.
فإذا كان ذلك كذلك فلن يخرج من المجتمع من يغلو في فكره، أو يتطرف في دينه، ولن يحقد أحد على أحد، أو يرفع السلاح ضده أبداً. لقد أرسى النبي -صلى الله عليه وسلم- دعائم مجتمعه على توحيد الله، ثم دعمه بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حين قدم المدينة.
فعن أنس -رضي الله عنه-: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي عبيدة بن الجراح وبين أبي طلحة). وفي الصحيحين: (قيل لأنس بن مالك: بلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا حلف في الإسلام؟ فقال أنس: قد حالف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين قريش والأنصار في داري)؛ فقد عاشوا في مثالية لم تسبق، واستمرت لأربعة عقود من الزمن حتى آخر زمن الخلافة الراشدة خلافة علي -رضي الله عنه- حين ظهر ما يُسَمَّون بالحرورية الخوارج.. فإذا استطاع المجتمع أن يحافظ على تكافله؛ فإنه يكون بذلك قد سلك بهم سبيل الحق والهدى والاعتدال، اقتداءً بالسابقين الأولين.
صيانة الحقوق
وأشار إلى مبدأ إسلامي مهم وهو صيانة الحقوق، وقال: لقد كفل الإسلام حقوق الجميع وضمنها لمسلمهم وكافرهم مطلقاً، فالإسلام كفل جميع الحقوق التي تنادي به الهيئات العالمية الحديثة، وما لم يخطر على دساتيرها واتفاقياتها الوضعية؛ كفل المسكن، والتملك، وحق التعليم، وحق العلاج، وحق المواطنة، وغير ذلك. فالمجتمع إذا استطاع أن يحتضن أفراده، ويلبي حاجاتهم، وحقوقهم المشروعة، وشملهم بعطفه، وكوّن لهم إحساساً وشعوراً بأنه يضمهم، ويحيطهم برعايته وحفظه، وأنه يكلؤهم باعتنائه البالغ بأمورهم؛ فإن الأفراد سينتابهم شعور عميق، وإيمان بالغ بمسؤوليتهم ومهمتهم تجاه هذا المجتمع الذي مد لهم يد العون والمساعدة؛ فهذا المجتمع جدير بالاحترام والتقدير، ومن ثَمَّ يتجهون الوجهة الصحيحة، ويسلكون الطريق المعتدل الوسط؛ فلا يبقى بعد ذلك غلو ولا تطرف ولا فساد.. وقد يشمل ذلك غيرَ المسلمين في المجتمع، وذلك صيانة لحق إنسانيته والعهد الذي له. نحن نعلم أن أهل الكتاب تجب عليهم الجزية، لكن الفقراء لا جزية عليهم، بل يعطون من بيت المال، وهذا من فضل الإسلام، ومن شموله لكل حق وعدل.
تحصين المجتمع
وطالب بتحصين المجتمع ضد الأفكار الهدامة: قال -تعالى-: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}قال القرطبي -رحمه الله -: «نهى عن الغلو، والغلوُّ: التجاوز في الحد... ويعني بذلك -فيما ذكره المفسرون-: غُلُوَّ اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغُلُوَّ النصارى فيه حتى جعلوه رباً؛ فالإفراط والتفريط والتشديد والتقصير كله سيئة وكفر.
لذا أخذ الله العهد على العلماء فكان واجباً عليهم أن يبينوا للناس أمور دينهم، وأن يحصنوهم من أي فكر هدام؛ دعوةً وتدريساً وكتابةً وغيرها؛ فبالعلم الصحيح يحفظ المجتمع من أي فكر دخيل هدام ضال، وبصدق العزائم، والتربية الصحيحة، والمتابعة الرشيدة يحفظ المجتمع المسلم بيضته، ويحصن داره، ويقوي بناءه، ويحيطه بسياج من الخير والصلاح، ويتعايش أفراده مع بعضهم في سماحة ومحبة ووئام.
ويأتي دور المؤسسات الدينية والاجتماعية في حفظ الأفراد من الأفكار الهدامة؛ فإمام المسجد يؤدي دوره بالمناصحة، وتبيين المنهج المستقيم، والتحذير من الفكر الهدام من خلال دروسه اليومية، وخطبة الجمعة، ولا يكون ممن يوقد النار، ويحرض الشباب على المناهج الثورية، ويحثهم على الخروج عن جماعة المسلمين، وكذلك المدرسة لها دور وقائي من خلال تحقيق التربية الإسلامية، ولا يكون ذلك إلا بإعداد المدرسين الإعدادَ الجيد، وتزويدهم بالمهارات اللازمة التي تساعدهم على توجيه الطلاب التوجيهَ السليم لمواجهة المزالق الخطيرة، وغرس العقيدة الإسلامية الصحيحة، كما يجب على أفراد المجتمع أن يقفوا صفاً واحداً ضد كل تيار منحرف وفكر هدام ضال وغاو؛ والذي من شأنه أن يؤثر على مسيرة الدعوة، ويسيء إلى جمال الإسلام، وسماحة الشريعة.
وانظر إلى الأفكار الهدامة كيف عصفت بالأمة منذ نشأتها؛ فالمنافقون، والخوارج، والقرامطة، والماسونيون، والعلمانيون، والاشتراكيون، وغيرهم من دعاة الأفكار الهدامة التي ظهرت معادية للإسلام عملت على تقويض الكيان الإسلامي، ولكن الله -جل وعلا- حفظ هذه الأمة من كيد أعدائها.
فينبغي على المجتمعات المسلمة أن تعي هذا الخطر، وفي المقابل ترحب بأية دعوة من دعوات الخير التي تَلُمُّ شمل المسلمين، وتجمع قواهم، وتعيدُهم إلى سلفهم الصالح من أهل السنة والجماعة، وتوصي أبناءها بالاعتزاز بها وتأييدها والسير قُدُمَاً خلف دعاة الخير والوسطية والاعتدال والسنة، والبعد عن التحزبات، والانقسامات الفكرية.
ترسيخ القيم
وأكد الدكتور عبدالله المطلق على ترسيخ القيم الاجتماعية الفاضلة في المجتمع، حيث تعتبر المؤسسات التربوية وسائط لترجمة أهداف المجتمع المسلم، وتحويلها إلى واقع حي يتمثل ذلك في سلوك وأخلاقيات أفراد المجتمع، وبالرجوع إلى سياسة التربية والتعليم في مجتمع ما يلاحظ أنها وضعت وفق صيغ محددة مرتبطة بأهداف وتطلعات المجتمع.
إن من المصالح: الحث على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وقد جاء القرآن بذلك بأقوم الطرق وأعدلها، والحضُّ على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات كثيرٌ جداً في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك لما سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقه القرآن)؛ فدل حديث عائشة على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم؛ وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق. بالقيم الاجتماعية، والمبادئ الأساسية المتينة يقوم المجتمع على ركائز صحيحة قويمة، تنعكس على أفراده بالخلق والدين والخير والرشاد، فالدين والخلق الفاضل يمنعان المرء من كل شر فيصدانه عن القتل، والاعتداء على الغير في عرضه أو ماله أو نفسه أو عقله أو دينه، ويمنعانه من كل رذيلة، ويعصمانه من كل انحراف وتطرف وغلو وإرهاب.
دور لرعاية الشباب
وطالب بإنشاء دور لرعاية الشباب حيث تعتبر الأنشطة التي تقدم من خلال دُور رعاية الشباب ضروريةً لتحقيق الهدف الاجتماعي، وهو تصحيح الفكر لدى الشباب، وتنمية العلاقات الاجتماعية لديهم لبناء مجتمع إسلامي تسود أفراده العلاقات الاجتماعية القوية، والخالية من الصراعات، والتناقضات، والعزلة.
ومن أبرز ما يكون فيه الخير الكثير لهؤلاء الشباب في استغلال وقت فراغهم هو إنشاء دُور الشباب على أسس إسلامية صحيحة، بلا اختلاط ولا آفات، بل يديرها الصالحون، وذَوو الاعتدال والأفكار النيّرة الصحيحة، ففي هذه الدُور يجدون العلم النافع والترفيه البناء الذي يقلل من عناء الدراسة والعمل، وفي نفس الوقت يتم توجيههم بالعلم الصحيح إلى المنهج السديد، والفكر الصحيح القويم، وبذلك نكون قد وقينا المجتمع من ويلات الفكر الهدام، والتطرف، والغلو.
ويكون التوجيه من خلال عقد الندوات الشرعية التي يدعى إليها بعض العلماء المعروفين لإلقاء المحاضرات والدروس على الشباب لتوعيتهم في أمور دينهم، وتقديم الحلول المناسبة لما يواجهونه من التحديات الداخلية والخارجية، وثَنْيهِم عن الأخطار المحدقة بهم، وفضح الجماعات الإرهابية وما يوردونه من شُبَه وضلالات.
كما أن من رعاية الشباب القيام على حلقات تحفيظ القرآن الكريم ودعمها؛ لأنها سبب في استقامة أبنائنا، وبُعْدهم عن الفكر المنحرف، وليس كما يصوره بعض الكُتَّاب من أنها تفَرِّخ الإرهابيين؛ فعلماؤنا تخرَّجوا منها، ووقفوا سداً منيعاً في وجوه أصحاب الفكر المنحرف، وكذلك بعض مسؤولي الدولة الذين ثبت إخلاصهم ووفاؤهم لهذا البلد، وهذا لا يعني عدم ضبط هذه الحلقات واختيار المدرسين الأكفاء من ذوي العقيدة الصحيحة والمنهج السوي.