الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
كشفت دراسات علمية عن ارتفاع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بالمملكة وبشكل ملحوظ ومتزايد، سواءً في «تويتر» و»يوتيوب» و»فيس بوك» و»واتس أب» إلخ.
وقد حرصت عقليات التطرف والإرهاب على استغلال تلك الشبكات التي أصبحت تمثل صراعاً فكرياً، وتضخيم الأحداث، وتقديم التفسيرات الخاطئة. بل أصبحت ميداناً لنشر الشائعات والعصبيات والصراعات.
ويؤكّد المسؤولون عن المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، على أنّ وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل التكنولوجية في بعض الأحيان، يستعملها المتشدّدون لتبادل المعلومات وتنفيذ العمليات الإرهابية، مشيرين إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي تساعد - أيضاً - الجماعات الإرهابية على تنسيق العمليات واجتذاب مجندين جدد ونشر دعاية وإلهام متعاطفين في مختلف أنحاء العالم.
وأمام هذه المخاطر ما الطرق والوسائل الكفيلة لمواجهة الغلو والتطرف والانحرافات الفكرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف يمكن ترسيخ الأمن الفكري في المجتمع باستخدام وسائل التقنية الحديثة؟
«الجزيرة» التقت بعدد من المختصّين في العلوم الشرعية والتقنية وكانت إجاباتهم التالية:
استثمار الوسائل
بدايةً يؤكّد الشيخ عمر بن عبد الله السعدون كاتب العدل بمدينة الرياض، أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً وفعالاً في نشر فكر الغلو والتطرف لدى فئة الشباب، وإقحامهم في الانحراف الفكري الذي تتعرض إليه هذه الفئة كثيراً بعزل عن العلماء والوالدين والمدرسة، فلذلك أصبح تأثيره أقوى ولذلك لجأ له الغلاة عبر حساباتهم المجهولة في تويتر. وعليه كان من الواجب تهيئة السبل الحقيقية التي من شأنها أن تعزز من استثمار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في توعية فئة الشباب بمخاطر الأفكار المنحرفة، وتنبيههم عن مكامن الخطر ورد الشبهات بأسلوب علمي متقن، لينتفع المطلع من الشباب على هذه الحسابات المجهولة.
الجانب الإلكتروني
ويشير إلى أنه تنوعت الجهود المبذولة على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية، والعامة والخاصة في صد هذا الانحراف العقدي والفكري والسلوكي الخطير، ومن عدة جهات أمنية وعلمية واجتماعية وإستراتيجية.. ولكن ينبغي التركيز على الجانب الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعية لأهميتها بالوصول إلى فئة الشباب من قبل، فكان يجب ذلك على جهات وشخصيات عدة لكي يتحقق الهدف المرجو، علماً أن هناك جهوداً طيبة سابقة، ولكن نرجو المزيد لأن الخلل والخطر كبير: وهم:
أولاً: أعضاء هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: وذلك لأنّ العلماء ورثة الأنبياء وإبلاغ الناس دين الله واجب متعين عليهم وبالذات فئة الشباب المنهمكة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبالذات تويتر الذي أصبح صوته مسموعاً وواضحاً، فعليه أرى أن يحرص أعضاء هيئة كبار العلماء على تهيئة حسابات لهم في ذلك وتكون حسابات مسجلة وعلى رأسهم سماحة المفتي - حفظه الله -.
ثانياً: الجامعات والعلماء وأساتذة الجامعات: وهم الصفوة بعد كبار العلماء ممن تناولوا هذه القضايا النازلة، بالبحث والدراسة والغوص في الجذور والأسباب والنتائج وسبل العلاج، من خلال نشر بحوثهم وكتبهم ومحاضراتهم من خلال التواصل الاجتماعي الإلكتروني، والتصدي لكشف الشبهات والرد عليها والتفاعل مع السائلين والمستفيدين بالشكل المطلوب الذي يشعر الشاب بأهميته وأهمية أسئلته والرد عليها بعمل وحلم ولطف.
ثالثاً: المؤسسات الشرعية: وهي الجهات المسؤولة عن التوجيه الديني والإرشادي على مستوى وزارات أو ضمنها، من خلال قيامها بدورها في ما يخص التواصل الإلكتروني من خلال وسائل التواصل الاجتماعية والوصول إلى فئة الشباب. وحل ما يشكل عليهم والإجابة عنه. وأيضاً من خلال البحث عن الأسباب والجذور والبواعث لهذه الأفكار وردود أفعالها! ولكن الملاحظ أن المنحى البارز في تركيز هاتيكم الجهود العلمية والدعوية المبذولة هو في الجانب الديني من خلال الوعظ ومن خلال الطرح العلمي الرصين المتميز والمعتدل، حيث ثقة الدولة والرعية والوافدين في الدين والعلماء قوية ومؤثرة.
مراكز بحثية
ويشدّد الشيخ عمر السعدون على أنه لا يمكن ترسيخ الأمن الفكري لدى فئة الشباب إلا بالتواصل المدروس والمؤسس على طرق علمية تحصر المشاكل والأسباب وتحدد طرق العلاج المناسبة والوسائل المعينة وهذا لا يمكن إلى من خلال مراكز بحثية متخصصة لترسيخ الأمن الفكري تقوم بالتعاون مع كافة الجهات من وزارات وجامعات لتضع رؤية استراتيجية وتحديد خطة عمل محددة الأهداف والزمن، ثم تراجع كل فترة للتأكد من الوصول للهدف أو مقاربته، ولقد اطلعت على توصية المشاركين والمشاركات في لقاءات الحوار الوطني العاشر التي نظمها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في ختام المرحلة الأولى والتي عقدت في مناطق الحدود الشمالية، الجوف، تبوك والمدينة المنورة، بأهمية استيعاب الطاقات الشبابية وفتح مجالات الترفيه والأنشطة النافعة لملء أوقات الفراغ لديهم بما يعود عليهم بالفائدة ويستثمر طاقاتهم ويحقق رغباتهم وطموحاتهم لمواجهة ظاهرة التطرف وحمايتهم من الانجراف ورائها. وكان من أهمها اقتراح وتأسيس مرصد وطني يقوم على رصد القضايا الوطنية في جميع المناطق وما يرتبط بها من مشكلات وتحديات بحيث يتمكن أبناء الوطن من التواصل معه، لتسجيل ما يعتقدونه ويعايشونه من تلك القضايا والمشكلات والهموم الوطنية، بما يمكن مؤسسات المجتمع ذات العلاقة من التفاعل المستمر مع تلك القضايا والبحث في سبيل علاجها ومواجهتها وإيجاد آليات فاعلة لمتابعة وتوجيه ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قضايا اجتماعية ووطنية بهدف التبصير والتوعية، بما يمكّن الشباب على وجه الخصوص من الوعي بالقضايا الواقعية التي تبعدهم عن الوقوع في فخاخ التطرف والتشدد، لافتين إلى أهمية دور كبار العلماء والدعاة والأئمة والخطباء في مواجهة الفكر المتطرف من خلال التبصير به بوصفه فكراً مجافياً للوسطية ينطوي على كره الغير كراهية تؤدي إلى انتهاك الضرورات الخمس التي شدّد الإسلام على صونها ممثلة في الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وأرجو أن تصل هذه التوصية إلى التحقق في الواقع هو إنشاء مركز وطني لتعزيز الأمن الفكري ليقوم بدوره على أسس علمية.
الجرائم الإلكترونية
ويشير د. مطلق بن بدر العتيبي أستاذ نظم المعلومات المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن من نقاط ضعف العالم الرقمي كثرة الجرائم الإلكترونية فيه، حتى أنه لم يعد الفعل الإجرامي يستهدف المؤسسات فقط، بل شمل الأفراد والأفكار وغيرها مثل جرائم التجنيد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وانتهاك الملكية الفكرية والقرصنة والاختراقات والفيروسات. وفي إطار استخدام الوسائل التقنية لتعزيز الأمن الفكري تأتي المعلوماتية الحيوية والأدلة الرقمية على رأس القائمة. ففي مجال التحقق من هوية مستخدمي الحواسيب، وصلت المعلوماتية الحيوية لمرحلة النضح في استخدام بصمة اليد أو العين للتعرف على هوية المستخدم. وكثيراً ما نجد أن خاصية قراءة بصمة الإصبع باتت من الخصائص التقليدية التي يجب توفرها في أي جهاز حاسوبي حديث. وللأدلة الرقمية عظيم الأثر في تسهيل عملية البحث الجنائي بعد ارتكاب العمل الإجرامي في العالم الرقمي، وذلك عن طريق تدعيم عملية رصد المعلومات عن الجاني وتحليلها، مثل تسجيل تحركات الأشخاص محل الاشتباه وتحليل عاداتهم وسلوكياتهم وبعض الأمور الشخصية الأخرى. ومن المفارقات في مقارنة الأدلة المادية والرقمية وجود الانطباع الخاطئ بأنه من الممكن العبث بالدليل الرقمي، وهو على العكس تماماً حيث تتميز الأدلة الرقمية بسهولة الكشف عن التلاعب بها أو تغييرها، وذلك بفضل استخدام الخوارزميات المتخصصة. ويتميز الدليل الرقمي أيضاً بسهولة نسخة ونقله من مكان إلى آخر وانعدام مخاطر محو الدليل الأصلي بفضل البرامج التي تستطيع إعادة الأدلة الرقمية حتى بعد إتلاف الأجهزة المستخدمة في التخزين، والاستدلال أيضاً بمحاولات الجاني لمحو الدليل الرقمي لتكون أدلة إدانة ضده.
الفكر الوسطي
ويقول علي بن تركي الحارث الشريف رئيس مركز الشواق بإمارة منطقة مكة المكرمة، إن من أهم الطرق والوسائل لمواجهة الغلو والتطرف والانحرافات الفكرية عدم ترويج الأفكار التي فيها غلو وعدم الاهتمام بها، مع دعم الفكر الوسطي ونشره، وحجب جميع المواقع والحسابات المتطرّفة التي تروّج للفكر المتشدّد.
للأسف ! قلّما نجد برامج توعوية تثقيفية في وسائل الإعلام الحديث، فيجب تكثيف البرامج الدعوية والتوعوية لزرع الفكر السليم في نفوس الأبناء والشباب عبر البرامج التلفازية وعبر اليوتيوب وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
سائلاً الله - جلّ علاه - أن يحفظ وطننا الغالي من كل شرٍّ وسوء وأن يديم علينا الأمن والأمان.