أنهى عمله متأخرا كالعادة، معظم زملائه قد برحوا المكتب هاربين لعائلاتهم. هو لم يكمل سنته الأولى في وظيفته الجديدة بعد عقد كامل أمضاه في عمله السابق. دعك عينيه المرهقتين ثم ارتدى النظارة الثانية المخصصة للقيادة. نهض تعبا مرهقا وقد لملم أوراقه. توجه للخروج ماشيا مسرعا كأنما هناك من يطارده.
قابل حارس الأمن العتيق حمزة الكهل فقال: إلا زالت الميزانية السنوية قيد التدقيق يا سيد؟ التفت إليه مفكراً، ما دخل هذا الرجل! وماذا يفقه في عملنا! لكنه رد بإيماءة صامتة موافقا. فأردف حمزة: لن تختلف عن العام السابق بأي حال من الأحوال.
هم ربيع بالرد غاضبا، كانت الكلمات تغلي في جوفه. تمنى أن يقول بصوت عال، ما أدراك أنت بعملنا! أنت حارس أمن وأنا صاحب شهادة ماجستير في المحاسبة! خبرتي تجاوزت العقد يا جاهل، ما أدراك يا متطفل. لكنه آثر الصمت ورحل بهدوء.
بعد ثلاثة أسابيع من الإرهاق والتعب والتدقيق المتواصل وغضب العائلة أنهى الميزانية السنوية وفوجئ بأنها أعلنت مماثلة لميزانية العام الفائت! .
صرع، دهش، جرى إلى حارس الأمن حمزة فوجده يشرب الشاي بهدوء فخاطبه: بالله عليك كيف عرفت أن الميزانية لن تتغير! نظر إليه ببراءة وقال: بسيطة، المدير لم يتغير حتى تتغير الميزانية!!
- علي الماجد