تحت عنوان «10 آلاف متطوع ينتشرون في جبال فيفا لتأمين الحدود ومنع المتسللين» تم تداول مقطع فديو نُشر مقطع على موقع اليوتيوب الإلكتروني، ومن مشَاهد البسالة والرجولة والوفاء عبر تقارير قناة العربية التي ارتحلت بالنفس في أغوار الماضي لفيفاء فأزجت بي إلى هذه المشاركة البسيطة في جهد المقل.. والتي يستطيع فيها المرء أن يقول وبملء فيه أن أبناء فيفاء لم يتركوا الماضي التليد لفيفاء يندثر منذ بايع شيخ شمل قبائل فيفاء علي بن يحيى الفيفي مؤسس هذا الكيان الشامخ الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراهما واسكنهما جميعاً فسيح جناته- في أول حجة للملك عبدالعزيز بعد أن أعلن نفسه ملكاً على مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وما تبع ذلك من وفود إلى الملك المؤسس على مدار ثلاث سنوات تباعاً لتأكيد تلك البيعة حتى قبلها وأكد قدومه في الثالثة، وهذه البيعة الاستباقية التي أعطت الملك المؤسس تطلعاً وبعداً آخر واوردته جغرافياً أفقاً أوسع، وما تبعها من تنسيق لاستقطاب القبائل الحليفة والمجاورة للدخول معها في هذه البيعة، هي طود واجب وعهد في أعناق أهل فيفاء إلى الأبد تستحثهم وتحفزهم على بذل النفس والنفيس لحماية الثغر الجنوبي الغربي هي وشريكاتها في تلك البيعة.
أجل مُنذُ ذلك التاريخ وفيفاء تؤكد في كل الأزمات أنها نموذج الوفاء والولاء لهذه الحكومة العادلة، فبعد أن وحد المؤسس المملكة وأعلن توحيد هذا الكيان تحت اسم المملكة العربية السعودية عام 1350 هـ، وبعد ما يقارب العام، سارع إمام اليمن يحيى حميدالدين إلى احتلال فيفاء واعتقل شيخ شمل قبائل فيفاء علي بن يحيى مع أربعين شيخاً وعريفة، وأخذوا رهائن إلى اليمن، وخير شيخ شمل قبائل فيفاء علي بن يحيى من قبل الإمام يحيى في صنعاء بين أمرين: إما الموت والوفاء وإما الحياة ونقض البيعة لآل سعود، وقد اختار الموت إذ قال للإمام «إن في ذمتي بيعة لابن سعود.. لا نخلفها لو لم يبق من آل سعود إلا إمراة»، وأعقب ذلك بقولته المشهورة «اللي يخون الأول يخون الثاني»، والتي أعجب بها الإمام وبقي يرددها « «اللي يخون الأول يخون الثاني»، وهذا الصدق والشجاعة والوفاء لم يقتل الشيخ بل كرمه وبقي رهينة لدى الإمام يحيى لإخضاع فيفاء ومن بقي فيها من قيادات، حيث كانت هذه هي سياسته المتبعة في إخضاع القبائل اليمنية وفرض هيمنته عليها.
وبعد ما يقارب ثمانية أشهر من المفاوضات بين كل من الملك عبدالعزيز والإمام يحيى وبعد أن مل الملك من المساومة أرسل خطاباً قوي اللهجة إلى الإمام قال فيه «لقد أحرجتني كثيراً مع أهالي فيفاء» وما هي إلا أيام وحسم الوضع وانتهى الحصار ورجعت مشائخ فيفاء وأعيانها وعلى رأسهم الشيخ على بن يحيى مشرفين أنفسهم والمنطقة بصبرهم وجلدهم ووفائهم بعد معاهدة الطائف بين المملكة واليمن عام 1352 هـ.
وقد توفي شيخ فيفاء علي بن يحيى بعد عودته بفترة وجيزة ليخلفه من بعده ولده الوحيد الشيخ المغفور له بإذن الله حسن بن علي، الذي كسرت رجله في إحدى المعارك التي تمردت فيها إحدى القبائل، فكان لفيفاء وعلى رأسها آنذاك الشيخ حسن علي شرف إعادتها لولاء آل سعود وخسرت فيها فيفاء عدداً كبيراً من رموزها القياديين والأعلام والتي ما زالت فيفاء تجسد ذكرهم الخالد إلى يومنا هذا، وتزرعه في قلوب الناشئة جيلاً بعد جيل وسابقتها مع الملك عبدالعزيز ليستلهم منها الوفاء، وهذا الولاء والتنافس امتد في قبائل المنطقة لترى يوماً بعد يوم السبق والمبادرة لقبيلة قبل أخرى، فهناك من تستضيف القوات على الحدود في المنطقة وهناك من تقدم آلاف المتطوعين سراً وجهراً فرادى وجماعات.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على ثقافة ووعي الموطن في عموم المملكة وإداركه لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه وواجبه تجاه الحفاظ على توحيد الشمل والالتفاف حول قيادة عادلة «فيفاء لديها والرياض سواء» كما قال شاعر فيفاء المغفور له الشيخ حسن بن فرح الفيفي في إحدى قصائده أمام سمو الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز الذي أكد بدوره هذا النهج والعدل والمساواه في تصريحه الصحفي بعد حفل القوات المسلحة بالمنطقة حينما سئل عن المشاريع المستقبلية في المنطقة فكانت الإجابة «فيفاء لدينا والرياض سواء».
نعم هذه حكومتنا التي ما استكانت يوماً عن تطويع الأمور لصالح وأمن المواطن، مستمدة دستورها من القرآن والسنة المحمدية فتساوى فيها الناس وعم الخير والعدل وعم الرضا والولاء.
إذاً فليس من الغريب أن تجد فيفاء في عاصفة الحزم تسارع في سبق الآخرين بتجنيد عشرة آلاف متطوع من أبنائها لحماية هذا البلد الذي هو معقل الحرمين الشريفين والدين والتدين والرجولة والوفاء.
وإني أحب أن أختم هذا المقال بهذا البيت للشاعر المغفور له حسن بن فرح الفيفي من إحدى قصائده التي ألقيت أمام سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته- وهو:
منكم العدل ومنا النابضات وعهود صادقات
قاطعات نحتسي من دونها الموت الزؤام
وأخيراً: نذكر أبناء فيفاء ومجاوريها أنه حان وقت الأحساء فعليكم بالصبر والجلد والوفاء، وقد جاء في صحيح البخاري: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: «إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل»، فلنكثر منها.
حسين الفيفي - بريطانيا