عندما نتحدث عن الزواج فإننا نتحدث عن وثيقة ربانية، تحدد العلاقة بين الرجل والمرأة. ولكل منهما حقوق وواجبات؛ يجب أن يُعطَى كل ذي حق حقه لاستمرار الأسرة والسعادة والهناء؛ لتكون نواة مثمرة لمستقبل باهر وأبناء يصبحون قرة أعين لكليهما. قال الله تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا}. فالاهتمام بهم ومعايشتهم في جو أسري متحاب يجعل منهم أبناء الغد وحلم المستقبل.
وكلما كانت البيئة التي يعيشون فيها في كنف الوفاق والاتفاق التوافق الفكري كانت نفسيتهم مستقرة ومستقبلهم زاهراً، وكلما كان عكس ذلك أصبحوا يعيشون في قلق نفسي، ويتولد عندهم الخوف من المستقبل وحياتهم المعيشية، وقد يولد عندهم الحقد والكره. ولكي نبتعد عن هذه التيارات التي قد تعصف بحياة الأسرة يجب أن يدرك الزوجان أن الزواج المبني على أسس صحيحة هو الزواج السليم، الذي تكون نتائجه المستقبلية مضمونة الاستقرار. ولندرك أن تحكيم العقل بين الزوجين إنما هو من الثوابت التي تساعد على الاستمرارية والتعايش المتوازن بين الأسرة بكل أقطابها. فتحكيم العقل في النفس له جودة الاختيار الصحيح في كل الأمور، والعكس من ذلك تحكيم النفس في العقل كثيراً ما تكون نتائجه سلبية؛ لذا يجب أن يدرك كل منهما ما له وما عليه من واجبات. وسوف أذكر بعضاً من تلك الواجبات على سبيل المثال وليس الحصر:
1 - فمثلاً الرجل عليه أن يحترم زوجته؛ لأن في احترام الزوجة أثراً كبيراً في تربية الأبناء. وعلى الزوج أن يدرك أن المرأة إنسانة بكل ما تعني هذه الكلمة، وأنها تمتلك كل مقومات الإنسانية، بما فيها من مشاعر وأحاسيس، وبذلك يعطيها الثقة بنفسها ومشاعرها. الأمان الأسري من متطلبات كل أسرة، فإذا هذا انتفى هذا الإحساس، وكان الزوج هو سبب تزعزع الأمان في نفسها، فإنها سوف تعيش في دوامة الخوف على مستقبلها ومستقبل أبنائها، خاصة إذا أحست أن زوجها سوف يتخلى عنها في أي لحظة.
2 - يجب على الزوج تجنب الانتقادات اللاذعة في الصغيرة والكبيرة وتجاوز بعض هذه الانتقادات إلى الطعن في شخصيتها وإنسانيتها.. فالحياة الزوجية يجب أن يتخللها الحب والود والرحمة واحترام المشاعر والأحاسيس.
3 - هناك أشياء تؤثر في نفس الزوجة إيجابياً، وينعكس ذلك على تربية الأبناء، منها حسن المقابلة عند الدخول إلى البيت، وإفشاء السلام، وآداب السفر ووداع الزوجة وإكرام أهلها والإشادة بهم عندما تأتي مناسبة لذلك؛ فهذا يحسس الزوجة أن تقدير أهلها من قِبل الزوج إنما هو تقدير لها.
4 - عدم إفشاء أي سر بينهما، سواء لأهله أو أصحابه. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». من هنا يجب أن يدرك الزوج أهمية أن يكون مثالياً في بيته وبين أهله، وأن يدير دفة هذه الأسرة بكل احترام وتآلف وحكمة وبصيرة.
أما بالنسبة للزوجة فلتعلم أن عليها حقوقاً وواجبات عظيمة تجاه زوجها. ففي سنن ابن ماجة بإسناد صحيح عن عبدالله أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها». أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومن هنا ندرك عظم حق الزوج على زوجته، ونوجز بعضه فيما يأتي:
1 - طاعة زوجها في غير معصية؛ فحق الزوج عليها أعظم من حق أبويها في الطاعة.
2 - عدم الخروج من بيته إلا بإذنه، وحفظ عِرضها وعِرضه وبيته، وأن تحفظه في دينه وعِرضه.. قال عليه الصلاة والسلام: «إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي باب شئت». أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومن هذا الحديث ندرك وجوب طاعة الزوج وحفظ بيته وأسراره، ومراعاة نفسيته.
ومن هذا وذاك يستطيع الزوجان بناء أسرة سعيدة في ظل توافق أسري، وتطبيق مبدأ المودة والرحمة والسكينة.
د. علي سعيد آل صبر - أبها