د. حمزة السالم
في عام 2010 بيعت في فلوريدا شريحة بيزا بمبلغ عشرة ملايين دولار. فقد عرض المشتري على صاحب المطعم 10 آلاف من العملة الحاسوبية بيت كوين بدلاً من الدولارات. وكانت البيت كوين آنذاك في ربيعها الأول، فكانت قيمتها حول عُشر السنت الواحد. فقبل صاحب المطعم، ففتح محفظة للبيت كوين، فحول المشتري له في محفظته 10 آلاف بيت كوين قيمة البيتزا. وفي العام الماضي أصبح صاحب المطعم من أغنياء فلوريدا، فقد وصل سعر البيت كوين الواحد إلى ألف دولار، وهي اليوم في نطاق 283 دولار. يصعب على الكثير فهم فكرة هذه العملة وطريقة عملها، رغم بساطتها. وهذا بسبب الخلط بين فهم عملية الحصول عليها بالتنقيب عنها وبين التعامل بها كعملة أو عملية الحصول عليها بشراؤها. فعملية التنقيب عن البيت كوين (أي أصدارها) هو الأمر الصعب فعله وأما فهم طريقته فلا تخفى على أحد. والتنقيب (إصدار) عملة البيت كوين، ليس من متطلبات التعامل بها، ولا حتى يلزم أحد فهم فكرته. فالتعامل بالبيت كوين تماماً كالتعامل ببطاقات الائتمان وبالتحويلات بين حساب بنكي وآخر. كما أن الحصول عليها، كالحصول على الدولار واليورو، هو مجرد عملية صرف بين العملات. فتشتري بيت كوين مقابل الدولار أو تبيعها مقابل دولار أو يورو، كما تفعل عند الصراف، ولكن عن طريق الإنترنت. وعملية التجارة بالبيت كوين والمضاربة بها أسهل من عمليات تداول العملات. وأما التنقيب عنها (إصدارها) فهو أمر صعب القيام به لا فهم فكرته وليس بلازم فهمها للتعامل بها. تماماً كما أن مفهوم إصدار النقود وآلية البنوك المركزية يصعب فهمها على كثير من الناس، والأشد صعوبة القيام بها. فما هي البيت كوين؟
-بيت كوين عملة حاسوبية، محلها الكمبيوتر، والإنترنت فضاؤها. هي نتاج خيال علمي لرجل أمريكي من أصل ياباني. قام الرجل فرسم مفهوم الذهب ومناجمه ومُلاكه في مخيلته ثم قام فاستنسخ من مخيلته نسخة إلكترونية، فجعلها برنامجاً حاسوبياً. فمفهوم بيت كوين هو مفهوم الذهب نفسه تماماً، اللهم أن قالب الذهب معدني وقالب بيت كوين رقمي، وما عدا ذلك فكلاهما سواء في مفهوم ديناميكيته، اللهم أن البيت كوين عملة يتعامل بها الناس، وأما الذهب فمجزد سلعة لا يتعامل به كعملة أحدة.
- البيت كوين كقيمة ونظام وديناميكية، يُعَدُّ ذهباً رقمياً. فالذهب نادر ومحدود الكمية ويختبئ في مناجمه بصورة خام، يحتاج إخراجه إلى بحث وتنقيب، ثم هو مُلك لمن أخرجه إن لم يتعرض للسرقة والنهب. والسوق بعد ذلك تحكم الذهب وتحدد قيمته، لا الحكومات ولا البنوك المركزية. والسوق نظام كوني يدور في فلكه جمع كبير من البائعين والمشترين لا يربطهم إلا رابط نظام السوق. إذن فالمتعاملون في السوق هم من يضع قرار السلعة (الذهب هنا)، بشكل جماعي. والمتعاملون في السوق وإن كانوا هم من يضع هذا القرار إلا أنهم مُسيرون بنظام السوق وليسوا مخيرين، فلا وجود لإرادة فردية لأحد على الذهب.
وعلى مفهوم الذهب نفسه وديناميكية سوقه، أُبتكرت عملة البيت كوين. فمبتكر بيت كوين، صمم برنامجه على شكل منجم يُخبأ داخله 21 مليون وحدة من البيت كوين. وجعل موقع هذا المنجم هو الشبكة الإلكترونية. فكل من يملك وسيلة للإنترنت يستطيع الذهاب لموقع المنجم ثم يحاول التنجيم والتنقيب عن البيت كوين المختبئة فيه، إذا كان قادراً. كما صُنع برنامج بنكي ليقوم بتسيير التعاملات بالبيت كوين والتدوال بها.
والبحث والتنقيب عن البيت كوين، لا يكون بمسحاة ومعول كحال التنقيب عن الذهب، بل بحل معادلات رياضية تعتمد على الطريقة الحسابية للمنجمين الباحثين عن العملة، الذين أتوا من أصقاع الأرض بحثاً عن الثراء، كالمهاجرين لكالفورنيا للبحث عن الذهب قديماً. فالتنجيم عن البيت كوين إذاً لعبة منطقية، كالشطرنج مثلاً، يقود توجهات تكتيكاته وعمقها، فكر اللاعبين فيه. فكل حركة تقود الأخرى، وعليه فكل لعبة تختلف عن الأخرى وإن كانت القوانين ثابتة. والتكتيكات بحر لا ساحل لها، سفينته الذكاء. فكلما زاد عدد المشاركين زاد التحدي العقلي.
ومنذ تدشين البيت كوين في 2009 وحتى الآن، تم العثور واستخراج 11 مليون وحدة من البيت كوين، وبقي 10 ملايين فقط. فكما أن كميات الذهب في العالم محدودة، فالتنجيم عن الذهب يزداد صعوبة كلما زادت اكتشافاته، فكذلك هي عملة البيت كوين الرقمية. فالبرنامج مبرمج على ازدياد صعوبة المعادلات الرياضية، كلما تناقص مخزون البيت كوين، كما أن كثرة الاستخراج ستجلب باحثين أكثر، فيرتفع مستوى ذكاء التكتيكات فيزادد الأمر صعوبة.
وبعد ذلك، فالذي يستخرج العملة يبيعها في السوق بسعر صرفها إن شاء، أو يشتري بها ممن يقبلها كعوض نقدي، فتصبح البيت كوين في أيدي الناس يتعاملون بها ويضاربون فيها من خلال البرنامج البنكي المخصص لها.
هذه ببساطة عملة البيت كوين الرقمية التي أشغلت العالم. وقد يتساءل متسائل عن المصدر التي تستمد العملة قيمتها منه. الجواب على هذا ومستقبلها وجدوى الاستثمار فيها وإمكانية وجود فرص استثمارية كبيت كوين عام 2010، حديث قد ضاق مقام المقال عنه، فسأوجله للسبت القادم.