يقول المثل (قيل من أمرك قال من منعني). هذا ما ينطبق على نوعية غريبة تعيش في محيط الفنون التشكيلية كالنباتات المؤذية، أو الفطريات التي تعتاش على حساب غيرها؛ تقوم بتصرفات خارجة عن الأدب في تعاملها مع حقوق الآخرين، يسرقون الكحل من عيون اللوحات التشكيلية عياناً بياناً، ويذهبون بها إلى وجهات غير معلومة. هذه الفئة منها مصور معروف بتردده على المعارض (نحتفظ باسمه) من بلد عربي شقيق، قيل إنه يعمل لإحدى المؤسسات المتخصصة في الديكور، يصول ويجول دون حسيب أو رقيب، يقوم على التقاط صور للوحات الواحدة تلو الأخرى، وقد يعود أياماً أخرى لاستكمال البقية إذا كان العدد كبيراً؛ ما يبيّن للجميع نيته (الخبيثة) والسيئة وجرمه الواضح بالتقاطه صوراً لجميع اللوحات لكل معرض يقام في الرياض دون الرجوع لأي مسؤول عن المكان أو للفنان صاحب المعرض.
عندما سألته من سمح له بتصوير معرض تقيمه إحدى صالات العرض؟ أجاب بكل شجاعة (وهل منعني أحد)؟ وأردف بجملة أخرى أكثر بجاحة وصفاقة وتحدياً: (لا تسألني مرة أخرى عما أقوم به.. ولمن.. ولماذا..؟). متذرعاً بأنه يهوى تصوير اللوحات..
سرقات تتم بمرأى ومسمع من الفنانين ومديري الصالات، إما بإعجاب بمن يقوم بالتصوير توقعاً منهم أن فيه ما يخدم المعرض دون أن يكلفوا أنفسهم بالسؤال لمن تؤخذ تلك الصور وما مصيرها؟ فأصبح غياب علمهم بالنتائج وبأهداف هذا المصور مصيبة. أما المصيبة الأعظم فهي فيما وصفهم به من الجهل والغباء بما يمنحه لهم من ابتسامات صفراء، يوزعها هنا وهناك؛ ليغطي بها جرمه. ولنطرح السؤال للأحبة الفنانين ومديري الصالات الفنية المؤتمنين على لوحات من يقيم معرض لديهم: هل تتحققون ممن يقوم بالتصوير وبدقة عالية وبكاميرات احترافية، يضعونها على الحوامل للتأكد من نجاح التقاطها؟ وكيف سيطالب الفنانون بحقوقهم وأنتم من سمح لهؤلاء بهذا الفعل الذي شاركتم في دعمه..؟؟
هذه الظاهرة أو (الجريمة) انكشفت بعض حقائقها من خلال ما وقعت عليه أنظار الكثير من الفنانين لمستنسخات لوحاتهم في بعض المستشفيات والفنادق، وما انتابهم من استغراب وألم لهذا التصرف وغضب شديد على من قام به دون أخذ الإذن منهم.
لوحة الفنان الفصام وطرف خيط الحقيقة
لم نكن نرغب سابقاً في طرح هذا الموضوع رغم وجود شواهد، منها ما جُمِّلت به غرف وممرات بعض المستشفيات والفنادق، وما زُيّنت به طاولات بعض المقاهي بشكل بانورامي، جُمع فيها صور نخبة من لوحات عدة دون أدنى شعور من أصحاب تلك المواقع والمؤسسات بكيفية الحصول على تلك الصور؛ فلم يحفظوا لها حقوقها وحقوق من تم تصوير لوحاتهم بعلمهم أو بدونه، وتمت طباعتها وتسويقها.
واليوم نقدِّم شاهداً يؤكد خطورة ذلك الفعل على من يعنيهم الأمر، وهم الفنانون. فقد اكتشف الفنان إبراهيم الفصام بالمصادفة خلال بحثه باسمه بالإنجليزية في الإنترنت أن مستنسخاً لإحدى لوحاته يُباع في موقع لجامعة خارج الوطن.. ليطرح السؤال: كيف التُقطت الصورة؟ ومَن قام بتسويقها.. أسئلة كثيرة سيجد لها الفصام إجابات، وسيكون لها يومٌ يُكشف فيه جرمهم.
قد يقال إن بالإمكان القيام بالاستنساخ من خلال الصور المطبوعة في كتالوجات المعارض. ونقول إنه لا يمكن تكبيرها وطباعتها بحجم البوستر بما يقارب الأصل إلا إذا كانت ملتقطة بدقة عاليه. وهذا هو بيت القصيد.
أنظمة لحفظ حقوق الفنانين
لا شك أن الجميع يعلمون أهمية حقوق الفنان، ومن هم المعنيون بهذه الحقوق، لكن لن يكون هناك أحرص من الفنانين على لوحاتهم وأعمالهم الفنية، وهم من يجب أن يسعوا لحفظ حقوقهم مبدئياً عبر توثيقها، وكذلك الجهات المنظمة للمعارض من جهات رسمية أو خاصة، وأعني هنا أصحاب الصالات الخاصة، بوضع نظام يمنع التصوير الاحترافي، ويتم التحقق من الهدف من التصوير إذا كان المصوِّر لا ينتمي لصحيفة أو موقع إلكتروني، فلهم الحق بالتقاط صور عامة للمعارض.
لقد شاهدنا الكثير من هذه الأنظمة والأساليب لحفظ حقوق الفنانين عند تغطيتنا لمعارض خارج الوطن، واشتراطهم أن لا نلتقط صوراً للوحات بعينها، وإنما بتصوير المعرض بزوايا لا يمكن فيها تحديد لوحة منفردة، إضافة إلى اشتراط المتاحف وبعض صالات العرض إبقاء الكاميرا عند المسؤولين عند مدخل المعرض، واستلامها بعد الخروج.
فهل يحفظ أصحاب الصالات حقوق من يعرض في صالاتهم؟ وهل سبق أن طرح مديرو الصالات على الفنان سؤالاً عن إمكانية السماح بتصوير لوحاته لكل من هب ودب ثم سُرقت؟