إن أفكار الإنسان هي التي تحدد سلوكه في الحياة، فإن كانت الأفكار راقية ناهضة كان الإنسان راقياً ناهضاً، وإن كانت هابطة منحطة كان صاحبها هابطاً منحطّاً.
ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات أنه ذو عقل يفكر به.
فأي فكر هذا الذي يدفع شاباً في مقتبل العمر كي يفجّر جسده من أجل أن يقتل مصلين في بيت من بيوت الله؟! دون أن يعرف أحدًا منهم، ودون أن يدينهم بجريمة يستحقون عليها القتل، وأي قتل؟.. إنه القتل الأعمى لأناس جاؤوا آمنين مطمئنين إلى بيت من بيوت الله، وهم يعتقدون أن من دخله كان آمناً في بلد يتخذ الإسلام ديناً، عقيدةً وشريعةً!
ولو عُدنا إلى التاريخ في عصر الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين، وصولاً إلى العصر الحديث، سنجد أنه كان يعيش في الدولة الإسلامية، وفي المجتمع الإسلامي، طوائف من النصارى واليهود والصابئة، بل ومن عبدة الشيطان، ومذاهب من السنة والشيعة، وفرق من المعتزلة والجهمية والقدرية، وطرق للصوفية كثيرة معروفة، وكان هذا المجتمع متنوع الأعراق والألوان، ومع هذا التنوع الكبير لم نر عالماً فقيهاً يفتي بقتل أحد من المخالفين لما عليه الدولة والمجتمع، وكانت الدولة الإسلامية في جميع عصورها موئلاً للمضطهدين في العالم من كل جنس ودين.. لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم ما داموا يعيشون في كنف الدولة الإسلامية، وقد دخل كثير منهم في الإسلام لما رأوه من حسن المعاملة وكريم الجوار.. بل كان الذين دخلوا في دين الله بحسن المعاملة والجوار أكثرَ عددًا ممن دخلوا فيه بالفتوح.
فكيف يُباح لفئة قليلة منحرفة الفكر، ومجرمة السلوك، أن تقوم بقتل المخالفين لها قتلاً أعمى، مدّعية تقرُّبها إلى الله بقتل خلقه؟.. وقد استنكر هذه الجريمة العلماء والمثقفون وأصحاب الرأي وجمهور المواطنين والمقيمين، مظهرين حرصهم على وحدة الموقف، ووحدة المجتمع وتماسكه، في وجه ما يُحاك لهذا البلد الكريم من تآمر يبتغي نشر الفتنة، وتمزيق التلاحم الشعبي في وجه الأفكار الضالة، وأنواع السلوك المنحرفة.
هذا إذا كان الدافع إلى القتل الأعمى عقيدةً منحرفة أو فكراً ضالاً، فكيف إذا كانت الدوافع تآمراً خارجياً، أو اختراقاً مخابراتياً عالمياً أو إقليمياً؟.. يُراد به تمزيق وحدة المجتمع، وإشغال المملكة بأمورها الداخلية عن الشؤون الخارجية؛ كي توقف دورها في الدفاع عن نفسها، وتحصين حدودها من أعداء وضعوا أنفسهم أداة في يد القوى الخارجية؛ لتدمير البلاد وتفريق العباد ملللاً ونحلاً يقتل بعضهم بعضاً، لتظل بلادنا ثروات منهوبة، وأراضي مهدَّدة، تطلب الحماية من القوى العالمية الطامعة المهيمنة على القرارات الأممية.
إننا، ونحن ندين هذه الجريمة الهمجية ونستنكر وجودها في مجتمع آمن، لندعو الله أن يوفق أولياء أمورنا إلى وأد هذه الفتنة في مهدها، وهم لذلك أهل، وأن يخزي أهل الفتن والضلال، ويرد كيدهم في نحرهم، إنه هو ولي ذلك والقادر عليه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
أ.د. سعيد بن عمر آل عمر - مدير جامعة الحدود الشمالية