التقيت أحد أخصائيي جراحة العمود الفقري فوجدته يشكو من كثرة الحالات التي ترد إلى عيادته فيكتشف أن سبب الإصابة يرتبط بشكل مباشر مع الإفراط في استخدام الهاتف الجوال والأجهزة الذكية بشكل عام.
لم أتعجب من تلميح صاحبي الأخصائي فالبعض يعيشون في عالم افتراضي جنباً إلى جنب مع عالمهم الحقيقي فيسرق أوقاتهم ويستولي على جل اهتماماتهم فلا يستطيعون إكمال حديث أو الاستمتاع بوجبة دون اختلاس النظر إلى شاشات هواتفهم.
جرّب حال وقوفك عند إشارة المرور أو في زحمة السير تلاحظ أن السائقين من حولك ستجد ما يتراوح نسبته بين 70 إلى 80% وأنظارهم متجهه نحو هواتفهم حيث ينتقلون خلال الثواني أو الدقائق إلى العالم الافتراضي المذكور آنفاً.
كان ضرباً من الخيال أن تجد ما يربطك بالشخصيات المحببة لديك من مشاهير ومن يشابهك في الميول والاهتمامات على مدار الساعة بالصوت والصورة وكأنك تعيش بينهم.
بدأت ألاحظ سلوكي وسلوك من حولي حيال استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بعد البحث والقراءة وجدت عجباً فنقلاً عن مجله أمريكية متخصصة يقضي من هم بين سن 15 و19 معدل ثلاث ساعات يومياً وتقل هذه النسبة إلى معدل ساعتين يومياً لمن هم بين 20 و29 هذا يفسر صعوبة التواصل والركون إلى نقل المعلومة وعدم تكبد عناء البحث عنها أو التثبت من مصدرها كما يفسر سرعة انتشار الشائعات.
كما تشير هذه الإحصاءات إلى أن عدد الأعضاء الفعّالين في شبكات التواصل الاجتماعي حول العالم يتجاوز الملياري مستخدم.
وبالنظر إلى الإحصاءات المحلية تحتل المملكة المركز الأول في الشرق الأوسط والخامس عالمياً من حيث انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وسرعة استخدامها.
كما نشرت دراسة حديثه قامت بها جمعية القلب السعودية ومركزها الرياض، حيث تشير إلى ارتباط مباشر بين إدمان استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وأمراض عديدة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وزد على ذلك عدم القدرة على السيطرة على الانفعالات وأمراض القلب والشرايين وذلك لقلة الحركة المرتبطة بهذا النوع من الإدمان.
عندما يؤدي الإفراط والانخراط بشكل مبالغ في شبكات التواصل الاجتماعي إلى عدم القدرة على الاستمتاع بكل ما هو جميل وبسيط في محيط كل شخص وعندما يرتبط الإنسان بهذه الشبكات ارتباطاً مرضياً، حيث تشير الإحصائية إلى أن 28% من مستخدمي تويتر يغردون قبل مغادرة فرشهم في الصباح الباكر! وحدثني عدد من الأصدقاء عن كونهم لا يستطيعون أن يستغرقوا في النوم ساعتين متواصلتين دون أن يستيقظ أحدهم فقط ليلقي نظرة على شاشة هاتفه الجوال ويلمح ما استجد في الشبكات الاجتماعية بشكل سريع. كما لوحظ زيادة نسبة الحوادث المرورية المرتبطة باستخدام الهاتف الجوال حال القيادة.
فينبغي لكل منا أن يراقب طريقة استخدامه واستخدام من حوله لهذه الشبكات فيتحرّى الاعتدال في الاستخدام والصدق في نقل المعلومة ومحاربة انتشار الشائعات.
لا يستطيع أحد أن ينكر إيجابيات هذه الشبكات ولكن الحذر من الإدمان والاستخدام السلبي واجب مهم وحيوي حتى تتحقق المنفعة وينتفي الضرر.
من المؤلم والمؤسف في نهاية المقال أن أخبركم أني حاولت عدم اختلاس النظر إلى هاتفي الجوال حال كتابتي لهذا المقال فوجدت من الكثير من الصعوبة.