في الوقت الذي ينشغل فيه العرب والمسلمون بأحداث الربيع العربي في كل من اليمن وسوريا والعراق ومصر وليبيا، والخلافات الفلسطينية - للأسف - التي هي على أشدها بين فتح وحماس والفصائل الأخرى، مع فشل مساعي الوساطات العربية والإسلامية لردم الهوة والانقسام الحاد بين الشعب الفلسطيني، تمر الذكرى السابعة والستون في الخامس عشر من أيار على النكبة الفلسطينية، التي تمثل مأساة تشريد الشعب الفلسطيني من أراضيه عام 1948 وارتكاب الغاصب الإسرائيلي مجازر وجرائم حرب ضد المدن والقرى الفلسطينية لإجبارهم على المغادرة من أراضيهم، ويتواصل مسلسل الاعتداءات عليهم في مختلف المدن والقرى الفلسطينية، بل يزداد في استباحة المسجد الأقصى المبارك وتهويد مدينة القدس لطمس معالمها، وزيادة المستوطنات بالأراضي الفلسطينية، ومحاولة اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه وأرضه عام 1948 بإنشاء دولة يهودية.
في هذا اليوم المؤلم نذكر بكل الحزن والأسى الجريمة النكراء التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين من حيث عمليات القتل والإجرام والإبادة وهدم المنازل وحرمانهم من حق العودة، والرفض الشامل من الاحتلال للقرارات الدولية الرامية لحل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريفة.. إلا أن الفلسطينيين صامدون مكافحون متمسكون بحقوقهم العربية والإسلامية الثابتة في الحق بالتحرر والاستقلال، وإقامة الدولة، والحق الأبدي والتاريخي بالعودة إلى الدولة الفلسطينية التي هُجِّروا منها بالقوة والإرهاب الصهيوني.
في هذه الذكرى الأليمة نستذكر الشهداء الذين راحوا فداء للوطن، والذين حاربوا ببسالة في مدينة القدس واللطرون والخليل ووادي الجوز، وغيرها من المناطق الفلسطينية، والذين سطروا بجهادهم أروع الأعمال للدفاع عن المقدسات الفلسطينية، وقدموا تضحيات جُلّى لفلسطين من أجل إبقاء جذوتها حية على مر السنين.
ففي هذا اليوم نذكر الجرح الغائر الذي خلفه وعد بلفور 2 - 11 - ؟؟؟، وهو وزير الخارجية البريطانية، الذي كان يأمل بعد ألف عام أن يعود المسيح إلى فلسطين، ويعيد المحبة والسلام هناك، الذي حوله البريطانيون إلى واقع أليم، يكتوي به كل عربي، ويعاني ويلاته إخواننا في فلسطين.. تلك النكبة التي حلت بالعرب والفلسطينيين في 15 آيار 1948، والتي لم تترك بيتاً من بيوت العرب إلا وفيه شاب شهيد أو جريح وطفل يتيم وزوجة أرملة وأم ثكلى وأب مكلوم وملايين الأسر المشردة الحزينة، بينما يبتهج العدو الإسرائيلي بمواصلة عدوانه على هذا الشعب باحتفالات ضخمة، يقودها القطعان المستوطنون في مدينة القدس ومناطق شتى من الأراضي المحتلة.
إن هذه الذكرى التي تمر علينا والشعب الفلسطيني ما زال قوياً وصامداً تدعونا إلى الوقوف بكل ثبات وصلابة واستبسال لكي نذكّر الأعداء الإسرائيليين والداعمين لهم بأن ستاً وتسعين سنة من الوعد المشؤوم بلفور وخمساً وستين سنة من الاحتلال والاغتصاب للأرض لم ولن تُنسي الشعب العربي حقه في العودة إلى دياره مهما طال الزمن أو قصر.. ولن يهدأ للعرب والمسلمين بال إلا باستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة في ضوء ثورات الربيع العربي التي اجتاحت عدداً من عواصم الدول العربية، وتدعو إلى التحرير للأراضي الفلسطينية، خاصة أن صدأ الضعف والتخاذل العربي لن يثنيهم عن مواجهة العدوان والاحتلال.
إن أمتنا ستظل جذوة من سعير، لن يخبو وميضها مهما تعاقبت عليه الحوادث، وحاصرته يد الاحتلال الجاثمة على الأراضي الفلسطينية.
لقد دعمت الولايات المتحدة بشكل واضح وملموس الاعتداءات الإسرائيلية على العرب والمسلمين باسم (الحرب على الإرهاب)؛ إذ وقفت إلى جانب الكيان الإسرائيلي في الاعتداء على لبنان، وفي شن أعمالها العدوانية الماكرة والغادرة على غزة في كانون الأول عام 2008، ولم تؤدِّ هذه الأعمال والممارسات لمحاكمة قادة إسرائيل أمام محاكم جرائم الحرب الدولية. وكلنا يذكر ما آل إليه تقرير المبعوث الدولي غولدستون الذي أدان في بادئ الأمر جرائم إسرائيل في غزة، ومن ثم عاد عن هذه الإدانة بعد الحملة الواسعة والمنظمة ضده بدعم أمريكي، وأسهم ذلك في تنصله من التقرير الذي كتبه بنفسه؛ الأمر الذي دعا العديد من المنظمات الدولية إلى إصدار تقارير تؤكد وحشية العدوان الإسرائيلي على غزة، وتدين ما ارتكبه المحتلون من أعمال قمعية وتدمير كبير للبنى التحتية وقتل وتشريد الآلاف من المواطنين الفلسطينيين، وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش.
والواقع أننا ونحن نستذكر هذه النكبة وآثارها وتداعياتها التي دشنت المأساة الحقيقية للشعب الفلسطيني بتشريده إلى خارج أرضه عام 1948، وخسارة وطنه لصالح الاحتلال الإسرائيلي، لنؤكد أن الفلسطينيين صامدون في وطنهم مصممون على دحر الاحتلال.. الأمر الذي يجعلنا نطالب بضرورة الرد على هذه الاعتداءات والأعمال القمعية الإسرائيلية بضرورة (تحقيق المصالحة الفلسطينية) التي أصبحت واجباً شرعياً لا بد من تكريسه لتجسيد أهداف وآمال الفلسطينيين في هذه المرحلة الراهنة انطلاقاً من الرغبة في التشديد على الثوابت والحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية كافة لأراضي فلسطين المحتلة، ومنها حق العودة.
الأمل كبير في أن تكون هذه الذكرى حافزاً لتوحيد جهود العرب والفلسطينيين لاستعادة الأراضي العربية المحتلة، والوقوف صفاً واحداً في وجه الاحتلال، خاصة أن توحيد الصف العربي سيكون الصخرة التي تتكسر عليها كل أحلام الكيان الصهيوني الغاصب.
- رئيس تحرير جريدة سلوان الإخبارية
abdqaq@orange.j0