جاءني خبر محزن، كنت أتمني أن لا يكون حقيقة، وإن كان حقاً، وكما كان فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - يسميه الحق المر، وهو وفاة الزميل والصديق الأستاذ الجامعي بكلية التربية بجامعة أم القرى عبدالعزيز بن محمد يار قوقندي رحمه الله رحمة واسعة. فقد كان زميل عمل وصديقاً، ويعد - رحمه الله - من الرعيل الجاد والعصامي الذي بنى نفسه وأسرته من الصغر، وكان مميزاً في دراسته، ويفخر ويعتز بأنه خريج مدرسة دار التوحيد بمدينة الطائف بتقدير ممتاز، كما تخرج من كلية التربية تخصص اللغة الإنجليزية بتقدير ممتاز، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية بتقدير متميز، وكان نموذجاً في انضباطه في التدريس ومواعيد المحاضرات وحضور الاجتماعات، ويغلب عليه روح الفكاهة والمرح في التدريس ومع الزملاء، محب لطلابه وزملائه، ومعروف عنه السعي بين الزملاء بالإصلاح. وقد عمل رئيساً لقسم المناهج سنوات عدة، فضلاً عن كونه أحد مؤسسي مكتب التربية العملية بكلية التربية.
وحينما كنت عميداً لكلية التربية أربع سنوات كان لا يغيب عن اجتماعات يدعى لها في الكلية أو خارجها ولا جلسات القسم والمناسبات والاحتفالات في الكلية، وكنت أعتز به، وأدعوه في كثير من الاجتماعات، ولم يعتذر قط، وبخاصة في تلك التي تخص التطوير الأكاديمي، وكان عضواً فاعلاً؛ يسهم ويثري كل الجلسات والاجتماعات التي يحضرها.
ومن أعماله الجليلة التي أسأل الله أن تكون له في ميزان حسناته مبادرته بإنشاء صندوق تعاوني لأعضاء هيئة التدريس بكلية التربية قبل ما يزيد على عشرين عاماً، وقد تطور إلى أن أصبح يخدم كثيراً من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وهو ما يعرف بمسمى (جمعية) محددة بأسهم، والسهم عبارة عن مبلغ من المال يدفعه أعضاء الجمعية، تجمع ويتبادلها الأعضاء للحصول على المبلغ الإجمالي بدون فوائد. وقد وصل بعضها إلى مائتي ألف ريال، أفادت ونفعت وفرجت همَّ كثير من الزملاء، وساهمت في تغطية أقساط كبيرة من الديون التي أثقلت كاهل الأعضاء آنذاك، وساهمت في بناء مساكن لذوي الدخل المحدود من الزملاء. وقد استفاد من تلك الجمعية العشرات بل لا أبالغ إذا قلت المئات، وقد وسعت على كثير من أصحاب الحاجات، وأنا منهم. وكان - رحمه الله - يتولى إدارة الجمعية من بيته بشكل منظم ودقيق، ويستقبل الأعضاء والمستفيدين في بيته، ويكرمهم، ويحتفي بهم بكل أريحية وطيب خاطر؛ فقد كان يتفانى في خدمة زملائه. هذا فيض من غيض مما قام به زميلنا وصديقنا العزيز الذي غادرنا إلى الدار الحقيقية. نسأل الله أن يجمعنا به في دار الخلد والجنة والنعيم.. رحمك الله.
أبو سراج الأكاديمي والإنسان والتربوي المميز سنفتقده كثيراً، ولكننا ندعو الله له بالمغفرة والرحمة، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
د. زايد بن عجير الحارثي - الملحق الثقافي في ماليزيا