الشباب هم عماد المجتمع، هم ثروته التي لا تنضب، وهم القادرون على إحداث التقدم لبناء مجتمع المعرفة، لكونهم المحرك الأساس الذي يدفع في هذا الاتجاه، مما يستدعي منحهم الرعاية الكافية والتمكين اللازم، من خلال تسليحهم بأدوات المعرفة في مجالات التعليم والبحث العلمي والاقتصاد والتكنولوجيا والصحة وغيرها. ولكن قد يتساءل البعض؛ كيف نُكوّن رأس المال الشبابي ونُجوّده؟ وكيف يمكن للشباب المشاركة في بناء مجتمع المعرفة.؟ وما دور الدولة لجعل الشباب فاعلين في مجتمع المعرفة.؟ وهل مؤسساتنا التعليمية تجاوزت مرحلة نقل المعرفة إلى مرحلة توطينها.؟ وما هو المطلوب من جامعاتنا لتحقيق هذا الهدف.؟.
حتى تستطيع الدولة تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في بناء مجتمع المعرفة لابد لها من تحقيق ثلاثة عناصر أساسية. أولها، نقل المعرفة، وثانيها، توطين المعرفة، وثالثها، تدريب وتأهيل الشباب للمشاركة الفاعلة في عمليتي النقل والتوطين لهذه المعرفة، ونعني بتوطين المعرفة، إنتاج المعرفة وتوظيفها ونشرها، لخدمة التنمية الإنسانية في جميع مجالات النشاط الاجتماعي والاقتصادي وكل ما يتعلق بالأفراد والمجتمعات، وإيجاد البيئات التي تمكنها من تحقيق ذلك من خلال توفير المقومات الضرورية لبناء قواعد مجتمع المعرفة والتي من أبرزها تقنيات الاتصال والمعلومات والإنترنت، التي أسهمت في تغيير العلاقات في المجتمعات المتقدمة، وحتى تقوم الدول بتأسيس وبناء مجتمع المعرفة وفق هذا المفهوم «إنتاج المعرفة ونشرها وتوظيفها بكفاءة عالية في جميع مجالات النشاط الاجتماعي والاقتصادي، وكل ما يتعلق بالأفراد والمجتمعات» كان لابد لها من دعم فئة الشباب، لتعزيز الاعتماد عليهم ولتمكينهم من إحداث تنمية ملموسة في مجالات التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا والإعلام والثقافة، والذي يتطلّب توفير عدد من الشروط الأساسية في مقدمتها، تدريب الشباب وتهيئتهم، عن طريق تزويدهم بمهارات معرفية وحياتية جديدة تحولهم من مجرد مستهلكين للمعارف إلى قادرين على إنتاج المعرفة ونشرها واستثمارها، فالتحول إلى مجتمع معرفي يتطلب التركيز على الشرائح الشبابية التي يوكل لها مشعل البناء والتطوير والإنجاز في الحاضر والمستقبل، للوصول إلى مجتمع معرفي حقيقي بكل كفاءة واقتدار، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال النهوض بالمنظومات التعليمية والتربوية والتأهيلية، والتوسع في إنشاء الجامعات، وخاصة المعنية بالعلوم والتكنولوجيا، وبناء المدن التكنولوجية والاقتصادية والمراكز البحثية المتخصصة، وغيرها من المشروعات التي تؤدي للوصول إلى الهدف المنشود.
إن تكّوين رأس المال الشبابي يتطلب تضافر عوامل متعددة، وفي طليعتها الوقت المخصص للتعليم والتعلّم، وخصائص المناهج التعليمية، والكفايات التي يتوقع أن يكتسبها المتعلمون، كما يدخل في هذا الباب جودة التعليم الذي تقدمه الموارد البشرية المسؤولة عنه، من سياسات، وخطط، وبرامج، وكل ما يدخل في إطار العمليات التعليمية - التعلُّمية، وتسييرها ومراجعتها وتطويرها، كذلك يحتاج إلى رعاية حكومية فاعلة، وموارد مالية كبيرة.
ويؤكد تقرير البنك الدولي المتعلق برصد جهود وسياسات إصلاح التعليم في العالم، على أن الدول العربية بذلت جهوداً كبيرة، وأنفقت على التعليم بقدر يتساوى تقريباً مع الدول المناظرة لها في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، إلا أن عوائد ومخرجات نُظم التعليم في الدول العربية ما زالت متدنية مقارنة بعوائد ومخرجات التعليم في دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة ما يتعلق بمجال التحصيل التربوي، وتنمية القدرات والمهارات لدى الشباب، كما أشار التقرير إلى عدد من السلبيات اتسمت بها جهود إصلاح التعليم في الدول العربية، منها: إن هذه الجهود ركزت فقط على الجوانب الكمية في الإصلاح ولم تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الكيفية كاحتياجات سوق العمل للاستفادة من الشباب الخريجين؛ لهذا فإن عالمنا العربي مطالب اليوم بمزيد من التوجه نحو التعليم المستمر، وزيادة فرص التدريب أثناء العمل، حيث تأتي معظم الدول العربية في وضع متأخر إزاء هذين المجالين، مقارنة بنظيراتها من الدول؛ كذلك لابد من بناء الاقتصاد المعرفي الذي يساعد على إعداد الشباب حتى نستطيع العبور إلى مجتمع المعرفة المنشود، شأننا في ذلك شأن العديد من البلدان التي أسست مجتمعات معرفية كوادي السيلكون في كاليفورنيا Silicon valley California، والذي يضم جميع أعمال التقنية العالية بفضل الآلاف من الشركات العاملة في مجال التقنيات المتقدمة ومنها على سبيل المثال: شركات Intel؛ AMD؛ Adobe؛ Apple؛ IBM؛ Yahoo؛ Google؛ بالإضافة لاحتوائه على المراكز البحثية المهمة أهمها ستانفورد Stan Ford وناسا Nasa ولورنس بيرلكي Lawrence Berkeley؛ وهناك أمثلة أخرى كثيرة في العالم، كوادي السيلكون في تايون Taiwan Silicon valley، وكذلك في ألمانيا وماليزيا وكوريا الجنوبية.
إن الجامعات في مجتمع المعرفة لم تعد تركز فقط على تقديم المعارف الأساسية لطلابها، بل أصبح هناك العديد من الجامعات التي تشكل شبكة معلوماتية مع مؤسسات بحثية متميزة تهتم في إدارة عملياتها من خلال جهاز بشري مؤهل ومتميز، وهذا يُحتّم على جامعاتنا أن تتحول إلى مؤسسات ذكية تدار بقدرات بشرية عالية التأهيل، وترتبط بشبكات مراكز البحوث والتطوير، ومراكز الإنتاج والخدمات، حتى نتمكن من تجاوز الزمن لصنع مستقبل أرحب يُمكّن بلداننا من الدخول في مجتمع المعرفة والوصول إلى الهدف المنشود للتقدم والازدهار.
- المركز الوطني لأبحاث قضايا الشياب