استكمالاً لمقالنا السابق بعنوان: (قراءة قانونية لنظام مجلس الوزراء السعودي) الذي نُشر بهذه الجريدة الموقرة في يوم السبت بتاريخ 2 جمادى الأولى 1436 هـ العدد 15486 فنقول: إن من المبادئ المهمة التي نص عليها نظام مجلس الوزراء أن النيابة عن الوزير في حضور جلسات مجلس الوزراء لا تكون إلا لوزير آخر وبموجب أمر يصدر من رئيس المجلس، بمعنى أن نائب الوزير لا يجوز له أن ينوب عنه في حضور جلسات المجلس، ولم يبيّن النظام سبب هذا الحظر في حق نائب الوزير، لكنني أرى أن هذا الحظر يجد له أساسًا قويًا من عدة جوانب، كالجانب الإداري أو التنظيمي، فنائب الوزير لم يسبق له أن حضر جلسات المجلس وبالتالي فإنه لا يعلم حيثيات وتفاصيل الموضوعات التي طُرحت ونُوقشت في الجلسات السابقة للمجلس وبالتالي فهو لم يستمع للملاحظات التي أُبديت وللتحفظات التي عُرضت وللنقاط التي أُثيرت فلا يدري من أين ابتدأ المجلس وإلى أين توقف وإلى أين يريد أن يصل في مناقشاته للموضوعات المطروحة في جداول الأعمال، أما الوزير الآخر الذي ينوب عن الوزير في حضور جلسات المجلس فهو وزير وعضو في مجلس الوزراء ومعنى هذا أنه قد حضر جميع الجلسات السابقة وبالتالي فهو على علم بكل التفاصيل التي حدثت في الجلسات السابقة ويعرف تمامًا ماذا جرى وما هي دقائق المداولات التي حدثت في جلسات المجلس السابقة التي تُبنى عليها الجلسات اللاحقة، إضافة إلى أن نائب الوزير لا يعرف تمامًا آلية العمل التي يتبعها المجلس في عقد جلساته والأعراف التي يجري اتباعها في هذا، وهذا بسبب عدم حضوره للجلسات مسبقًا، بمعنى أنه لم يسبق له أن خاض هذه التجربة من قبل وبالتالي فهو يحتاج لعدة جلسات لحين أن يعرف تمامًا آليات العمل، كما أن منصب الوزير فيه جانب سياسي لإرتباطه المباشر برئيس مجلس الوزراء أي برئيس الحكومة الذي يعتبر مرجعه ورئيسه المباشر طبقًا للتدرج الهرمي للسلطة، وليس الأمر كذلك بالنسبة لنائب الوزير حتى وإن كان يشغل مرتبة وزير، كما أن نظام مجلس الوزراء نص صراحة على الأشخاص الذين يتألف منهم تشكيل مجلس الوزراء وذكر منهم الوزراء العاملين ولم يورد النظام بعد عبارة الوزراء العاملين استثناءً يشير لجواز قيام الوزير بإنابة نائبه لحضور جلسة مجلس الوزراء كعبارة (الوزراء العاملين أو نوابهم في حال غيابهم) على سبيل المثال.
وقد أبان النظام بجلاء أن مجلس الوزراء يتألف من رئيس مجلس الوزراء وهو جلالة الملك، ثم بعد ذلك نواب رئيس مجلس الوزراء، ولم يبيّن النظام عدد نواب رئيس مجلس الوزراء إلا أن العادة جرت على أن يكون لرئيس مجلس الوزراء نائبان، أما النائب الأول فجرت العادة على أن يكون ولي العهد، ثم نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء الذي جرى العرف الدستوري مؤخرًا على أن يكون ولي ولي العهد وهو المنصب الذي تم استحداثه مؤخرًا، ثم بعد ذلك الوزراء العاملون وهم الوزراء الذي يحملون حقائب وزارية والوزير العامل لا يُشترط أن يُنص في الأمر الملكي القاضي بتعيينه وزيرًا لإحدى الوزارات النص على أن يكون عضوًا في مجلس الوزراء لأنه بمجرد تعيينه وزيرًا عاملاً فإنه يكون تلقائيًا قد انضم لعضوية مجلس الوزراء بقوة القانون، ثم بعد ذلك وزراء الدولة الذين يُعينون أعضاء في مجلس الوزراء بأمر ملكي، ووزير الدولة بعكس الوزير العامل فإنه يُشترط لكي يكون عضوًا في مجلس الوزراء أن يُنص بالأمر الملكي القاضي بتعيينه على أنه عضو في مجلس الوزراء، فلو صدر أمر ملكي بتعيين وزير دولة دون أن ينص الأمر على أنه عضو في مجلس الوزراء فإنه لا يعد عضوًا في المجلس وبالتالي فلا يحق له حضور الجلسات حتى وإن كان وزير دولة، وهذا طبقًا لصريح النظام، غير أنه في الواقع الحالي - فيما أعلم - لا يوجد هناك وزير دولة ليس عضوًا في مجلس الوزراء، إِذ إن جميع أصحاب المعالي وزراء الدولة الحاليين في المملكة هم أعضاء في مجلس الوزراء بحسب صريح الأوامر الملكية الكريمة التي صدرت بتعيينهم بحسب رجوعي إليها، أما الفئة الأخيرة التي يتألف منها المجلس فهم مستشارو الملك الذين يُعينون أعضاء في مجلس الوزراء بأمر ملكي، ولأجل هذا فإنه ينطبق على هذه الفئة ذات التوضيح الذي أوضحته بخصوص وزراء الدولة، فلا يكفي لمن يُعين مستشارًا للملك مجرد تعيينه مستشارًا لأن ينضم لعضوية مجلس الوزراء، بل يجب أن ينص الأمر الملكي القاضي بتعيينه مستشارًا للملك على أنه عضو في مجلس الوزراء، أما أن لم يُنص في أمر التعيين على عضويته في مجلس الوزراء فإنه يعد مستشارًا للملك لكنه ليس عضوًا في مجلس الوزراء وبالتالي ليس له الحق في حضور جلسات المجلس، - وبحسب علمي - فإنه لا يوجد في التشكيل الحالي للمجلس مستشارًا للملك وعضوًا في مجلس الوزراء، إِذ يوجد العديد من المستشارين للملك لكنهم ليسوا أعضاء في مجلس الوزراءحسب نصوص الأوامر الملكية التي قضت بتعيينهم بحسب رجوعي إليها.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل من يشغل مرتبة وزير يعتبر وزيرًا، إِذ إن مرتبة وزير إنما هي مرتبة وظيفية قد يشغلها العديد من الأشخاص لكنهم لا يعتبرون وزراء حاملين لحقائب وزارية، ولا حتى وزراء دولة، لكنهم يشغلون مرتبة وزير مثل أمراء المناطق الذين يُعينون جميعًا بمرتبة وزير طبقًا لنص النظام، ورؤساء بعض الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة كالرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرئيس العام لرعاية الشباب ومحافظ الهيئة العامة للاستثمار، وغيرها.
واجتماعات مجلس الوزراء لا تكون صحيحة إلا بحضور ثلثي الأعضاء ولا تكون القرارات نظامية إلا بعد صدورها بأغلبية الحاضرين، وفي حالة التساوي يعتبر صوت الرئيس مرجحًا، أما في الحالات الاستثنائية فيصح انعقاد المجلس بحضور نصف الأعضاء وتكون القرارات نظامية في هذه الحالة بموافقة ثلثي الحاضرين، ولم يحدد النظام الحالات التي تعتبر استثنائية لكنه ترك الأمر خاضعًا للسلطة التقديرية لرئيس مجلس الوزراء بحسب ما يراه.
ولا يجوز للمجلس أن يتخذ قرارًا في موضوع خاص بأعمال وزارة من الوزارات إلا بحضور الوزير المختص أو الوزير الذي ينوب عنه بأمر رئيس مجلس الوزراء ما لم تدعو الضرورة لذلك، ولم يحدد النظام كذلك ما هي الحالات الضرورية، بل لم تنص المادة على أن رئيس مجلس الوزراء هو الذي يقدّر حالة الضرورة كما في المادة التي تسبقها التي نصت على أن لرئيس مجلس الوزراء تقدير الحالات الاستثنائية التي يكون فيها اجتماع المجلس بحضور نصف الأعضاء صحيحًا، لكنني أرى أنه بالقياس بين المادتين فإنه من الطبيعي أن يكون تقدير حالة الضرورة حقًا لرئيس المجلس، خصوصًا أنني أرى أن مسألة تقدير الحالة الاستثنائية لجواز عقد المجلس بحضور نصف الأعضاء فقط هي أكثر حساسية من مسألة تحديد حالة الضرورة التي يحق للمجلس بتوافرها أن يتخذ قرارًا خاصًا بأعمال وزارة ما بغياب وزيرها أو الوزير الذي ينوب عنه وطبقًا لهذا فإن مَن يملك الأعلى يملك الأدنى.
ومداولات المجلس سرية أما القرارات فهي علنية بحسب الأصل حيث جرت العادة على أن تُذاع في وسائل الإعلام بعد نهاية الجلسة، إلا ما تم اعتباره قرارًا سريًا بقرار يصدر من المجلس. وقد أبان النظام عددًا من الأمور التي تُدرس في مجلس الوزراء ثم تصدر بعد الانتهاء من دراستها بموجب مراسيم ملكية، ومنها: الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، ومن أهم الأمور التي يدرسها المجلس ميزانية الدولة التي أوضح النظام أن المجلس يُصوت عليها فصلاً فصلاً في جلساته وكل زيادة يُراد أحداثها في الميزانية لا تكون إلا بموجب مرسوم ملكي، وكذلك الحال بالنسبة للأنظمة واللوائح فقد أوضح النظام أنه يتم التصويت عليها مادة مادة ثم يصوّت المجلس عليها بالجملة، كما لا يجوز للحكومة أن تعقد قرضًا إلا بعد موافقة المجلس وصدور مرسوم ملكي بذلك، وقد فرض النظام على وزير المالية بأن يقوم برفع الحساب الختامي للدولة عن العام المالي المنقضي إلى رئيس مجلس الوزراء لإحالته لمجلس الوزراء لغرض اعتماده، كما منح النظام الحق لكل وزير أن يقترح مشروع نظام أو لائحة ذات علاقة بأعمال وزارته، وقد مُنح ذات الحق لبقية أعضاء مجلس الوزراء باقتراح ما يرون أن ببحثه مصلحة وذلك بعد موافقة رئيس المجلس، وجميع المراسيم الملكية التي تصدر يجب أن تُنشر بالجريدة الرسمية للدولة وتدخل حيّز النفاذ من تاريخ نشرها مالم يُنص على تاريخ آخر.
ولم ينص نظام مجلس الوزراء على موعد انعقاد اجتماعاته ولا عدد الجلسات التي يجب أن تُعقد شهريًا، إلا أن ما جرى العرف على اتباعه هو أن تُعقد جلسات مجلس الوزراء مرة واحدة كل أسبوع وتحديدًا في يوم الاثنين. وقد أجاز النظام أن يقوم المجلس بتأليف لجان فرعية من بين أعضاء المجلس أو من غيرهم لبحث موضوع مدرج في جدول أعمال المجلس من أجل قيام هذه اللجنة بتقديم تقرير خاص عن هذا الموضوع للمجلس لاتخاذ القرار المناسب إزائه، وهذا السماح بصريح النظام يفرضه حجم وتنوع الموضوعات التي يدرسها مجلس الوزراء فقد يكون لبعض الموضوعات جانب فني أو هندسي أو حتى جانب شرعي أو اجتماعي أو غيره مما يفرض على المجلس تشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع بشكل أعمق وأدق، أو الاستعانة بمتخصص من غير أعضاء المجلس بحسب الحاجة لذلك.
وإلى الجانب التنظيمي (التشريعي) لمجلس الوزراء الذي أوضحته فهناك جانب تنفيذي للمجلس، لأن مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية يجمع بين سلطتي التنظيم والتنفيذ، فقد نص النظام على أن لمجلس الوزراء باعتباره السلطة التنفيذية المباشرة الهيمنة على شؤون التنفيذ والإدارة، ويدخل في اختصاصاته التنفيذية: مراقبة تنفيذ الأنظمة واللوائح والقرارات، وهذا النص فيه تأكيد من المنظم على مبدأ التدرج الهرمي للتشريع الذي يكون أعلاه التشريع الأساسي وهو الدستور ثم التشريع العادي وهي الأنظمة والقوانين، ثم التشريع الفرعي وهي اللوائح والقرارات، ومن اختصاصاته كذلك أحداث وترتيب المصالح العامة، ثم متابعة تنفيذ الخطة العامة للتنمية، ثم إنشاء لجان تتحرى عن سير أعمال الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى أو عن قضية معينة وترفع هذه اللجان نتائج تحرياتها إلى المجلِس في الوقت الذي يُحدده لها وينظُر المجلِس في نتيجة تحرياتها وله إنشاء لجان للتحقيق على ضوء ذلك والبت في النتيجة مع مُراعاة ما تقضي به الأنظمة واللوائح، وهذا التأكيد على مراعاة ما تقضي به الأنظمة واللوائح هو تأكيد آخر على مبدأ المشروعية في دولة القانون.
أما التشكيل الإداري لمجلس الوزراء فقد نص النظام على أنه يتكون من الأمانة العامة لمجلس الوزراء ويرأسها أمين عام معيّن بأمر ملكي بمرتبة وزير ويقوم بالعديد من الأعمال كإعداد جداول أعمال الاجتماعات وإعداد المحاضر والقرارات الصادرة عن المجلس، كما يقوم بالتنسيق بين لجان المجلس المختلفة وتنظيمها وغير ذلك من المهام. وثاني الأجهزة الإدارية في مجلس الوزراء هي هيئة الخبراء ويرأسها رئيس بمرتبة وزير وهي الذراع القانوني لمجلس الوزراء وتضم نخبة من المستشارين والمتخصصين في القانون وغيره، وتقوم الهيئة بالعديد من الأعمال كدراسة ما يُحال إليها من رئيس مجلس الوزراء والمجلس ذاته ولجانه المتفرعة كما تقوم الهيئة بتحضير مشروعات الأنظمة وإعداد ما يلزم لها بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بمشروعات الأنظمة المطروحة كما تقوم بمراجعة الأنظمة السارية وإمكانية اقتراح تعديلها وتقوم بوضع الصيغ المناسبة لبعض الأوامر السامية والمراسيم الملكية وقرارات مجلس الوزراء ولذا فإن الهيئة تضم كذلك متخصصين دقيقين في اللغة، وغير ذلك من المهام. وقد كان هناك جهاز ثالث في السابق وهو ديوان رئاسة مجلس الوزراء ويرأسه رئيس بمرتبة وزير وقد كان هذا الجهاز حلقة الوصل بين رئيس المجلس ونوابه وأعضائه ومختلف الأجهزة الحكومية الأخرى، ويندرج تحت هذا الديوان إدارات متخصصة، ويقوم بدراسة المعاملات التي ترفع لرئيس مجلس الوزراء، كما يُعد البرقيات والأوامر السامية والخطابات التي توجه من وإلى رئيس مجلس الوزراء، لكنه قد حدث تعديل في هذا الشأن مؤخرًا حيث صدر أمر ملكي يقضي بضم ديوان رئاسة مجلس الوزراء إلى الديوان الملكي واعتبارهما جهازًا واحدًا بمسمى الديوان الملكي، وذلك بناءً على الرغبة الملكية في إعادة تنظيم كل من الديوان الملكي وديوان رئاسة مجلس الوزراء بما يسهم في تطوير العمل والارتقاء به وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة بحسب نص الأمر الملكي، وقد كان هذا التعديل في العام 1432 هـ.