زكاة الدَّيْن
* كيف أزكي أموالي التي عند الناس ومنهم الغني المماطل، ومنهم الذي لا يستطيع سدادها؟ أرجو التفصيل في ذلك.
- الدَّيْن هذا لا يخلو إما أن يكون عند مليّ أو غير مليّ. فالمليّ الذي إذا طُلب منه المال دَفَعه، فهذا يُزكى كل سنة كأنه مقبوض. أما بالنسبة إلى ما في ذمة المعسر الذي إذا طُلب منه المال لم يدفع، أو المماطل الذي لا يُستطاع ما عنده، أو الظالم مثلاً، فإن هذا يزكيه صاحبه إذا قبضه، فإذا قبضه زكاه لسنة واحدة. والغني المماطل إذا أمكن الاستعانة عليه بالولاة لاستخراج ما عنده تعيّن، وصار حكمه حكم الموسر الذي يدفع متى طُلب منه، وتركه من دون مطالبة تفريط؛ لأنه ليس بمعسر، فإذا استعين عليه بمن يستطيع استخراج الحق منه فإنه في حكم المليّ. أما إذا لم يوجد من يستطيع إخراج الحق منه فحكمه حكم المعسر، يزكيه إذا قبضه.
* * *
الضبط الصحيح
* ما الضبط الصحيح لاسم التابعي الجليل أويس القرني؟ هل هو بفتح الراء أم بتسكينها كما نسمعه من بعض الفضلاء؟ وهل هناك قاعدة يشار إليها لضبط أسماء الأعلام؟
- التابعي الجليل أُوَيْس القَرَني منسوب إلى القبيلة (قَرَن)، وليس منسوبًا إلى (قَرْن المنازل)، أو (قَرْن الثعالب). ووهم في ذلك صاحب (الصحاح) حيث نسبه إلى (قَرْن)، ورد عليه أهل العلم، ونبه على ذلك النووي في (شرح صحيح مسلم).
والجادة في ضبط الأعلام أن هناك كتبًا للضبط منها (المشتبه) للذهبي و(تبصير المنتبه في تمييز المشتبه) للحافظ ابن حجر. هذه يستفاد منها في مثل هذا، وأولى ما يهتم به طالب العلم بالنسبة لضبط الأعلام؛ لأنها لا تدرك بالاجتهاد، ولا تدرك من خلال سياق الكلام، ولا يستدل عليها بما قبلها وما بعدها، فمن يميّز عَبِيْدة وعُبَيْدة من خلال السياق؟! لا يمكن تمييزه من خلال السياق، إنما يميّز من خلال كتب الضبط، وهي موجودة - ولله الحمد -، ومتيسرة بين يدي طلاب العلم؛ فعلى طالب العلم أن يعتني بها، وهي كثيرة جدًا، وتهتم بالضبط بالحرف. فأهل العلم يضبطون الأعلام وغيرها من الكلمات التي تحتاج إلى ضبط بالحروف، وتمييز المهمل من المعجم، وبفتح كذا وبكسر كذا... إلى آخره. وقد يقطّعون الكلمة إلى حروفها من أجل ألّا تتداخل الحروف ثم بعد ذلك لا يتوصل إلى النطق الصحيح. فالحرف إذا كتب مع غيره له صورة، وإذا أفرد له صورة أخرى. ورأيت في بعض الكتب الخطية (الهُجَيْمي) مضبوطًا بالحركات، وفي الحاشية مُقطَّع مكتوب: هاء وجيم وياء وميم... إلى آخره. فهم إذا خشوا من الاشتباه قطّعوا الكلمة إلى حروفها؛ فلهم عناية فائقة في الضبط؛ فيضبطون بالشكل، ويضبطون بالحرف، ويضبطون بالنظير، ويضبطون بالضد، مثل (حرام بن عثمان) يضبطونه بقولهم: (بلفظِ ضدِ الحلال)، و(الحكم بن عُتَيبة) يقولون: (بتصغير عتبة الدار)، وهكذا. فعندهم تفنن في الضبط بحيث يتميّز عن غيره، ولا يلتبس على أحد.
ويختلف العلماء فيما يُضبط؛ فمن أهل العلم من يرى أنه يُضبط كل شيء؛ لئلا يشكل شيء حتى على المبتدئين. ومن أهل العلم من يرى أنه لا يُشْكَل إلا المُشْكِل، فلا فائدة من ضبط (قال) «بفتح القاف»؛ لأن أي حرف يأتي بعده ألف فهو مفتوح، أو ضم حرفٍ بعده واو كما في كلمة (ذو) مثلًا، أو جر حرفٍ بعده ياء، أو ما أشبه ذلك؛ فهذه لا تحتاج في الغالب إلى ضبط، وإنما يُضبط المشكل عند أهل العلم. فالضبط أمر لا بد منه، وقد وقع من الكبار بعض المضحكات بسبب عدم عنايتهم بهذا الشأن.
- يجيب عنها/ معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة للفتوى