مسرعة.. دلفت إلى داخل المؤسسة, كانت الشمس حينها ترسل أشعتها في فتور, انحنت لتمسح حذاءها القديم بمنديل, نظرت في الباب الزجاجي اللامع واطمانت على مظهرها قبل أن تلج إلى الداخل, قابلتها في مكتب الاستقبال صورة أحصنة عربية وهي تتسابق, الحصان الأبيض كان هو أسرع الخيول, يتبعه الحصان البني الذي يقف حذاء أذنه..
أوقفتها الصورة وهي تحمل مظروف مسابقتها في يدها, تحدثت بصوت عال (يا رب أكون حصان أبيض), انطلقت إلى الداخل, الساعة كانت تشير إلى السادسة والنصف والشمس ترسل أشعتها الكسلى عبر الزجاج, كانت الصالة نظيفة أشياؤها تبرق كأن يدا لم تلمسها من قبل, وفي حافة الصالة وضعت كراسي جلدية فاخرة تمازجت فيها الألوان الذهبية والخضراء, أما في الوسط فوضعت منضدة على شكل حدوة حصان, الطلاء على الحائط كان بلون حرجلي لم تألفه في المؤسسات الحكومية ولكنه كان متماشيا مع لون ستائر (سيدار) الفارهة.
ارتمت على أقرب كرسي فقد كان الوقت مبكرا على حضور الموظفين,غمغمت في غيظ, (ليتني شربتك يا شاي الصباح), شاهدت عامل النظافة يعمل في همة ونشاط, حياها بيده ثم دلف إلى مكتب المدير كما تقول اللوحة المعلّقة على بابه, تشاغلت بمتابعة اللوحات الزيتية حتى يشغلها عن طرقات رأسها التي بدأت في الدق عندما تذكرت أنها لم تشرب شاي الصباح, اللوحات جميعها لم تخل من مناظر طبيعية أضفت إلى المكان ألقا خاصا..
ساعة الحائط أيضا لم تشذ عن روح المكان فقد كانت في شكل سمكة وكان إطارها يشبه البحر.. نظرت بداخله جيدا, الزمن ما زال بطيئا, قبضت على مظروفها بشدة, رفعت يديها إلى السماء قائلة (يا رب).
سمعت ضجة في مكتب المدير، لم يخرج العامل منه بعد، فضولها قادها إلى أن تضع قدميها فوق الكرسي وتنظر عبر النافذة, فغرت فاها, كان العامل مسترخيا في كرسي المدير, يلف بالكرسي ذات اليمين وذات الشمال, يضع رجلا على الأخرى, يخرج قلما مذهبّا من سلة الأقلام أمامه, يكتب شيئا, تمد رأسها أكثر, يحمل رموت التلفاز, يفتحه, تفاجئه أغنية وردي (يا بلدي يا حبّوب. يا أب جلابية وتوب.. وعمة وصديري.. وشال ومركوب)..
ينطلق من كرسيه.. يعرض.. ينقز.. يزغرد.. يتعثر بوعاء التنظيف.. ويندلق الماء!!..
- نجاة إدريس إسماعيل