وبعد أن صارت مظاهر الزواج اليوم مكلفة.. وعائقاً كبيراً أمام شباب اليوم.. أحببت أن أكتب عن زواج الجدات وبساطته ونجاحه في الغالب.. لتطلع عليه الأجيال
الحاضرة.. ولربما نحقق بعض الفائدة..
كانت العروس تلك الأيام لا تعلم بزواجها إلا قبل موعده بأيام قلائل.. وهي في الغالب لا تُستأذن.. والدها هو من يوافق على العريس ويتفق معه على كل أمور الزواج... العريس وعند معظم العائلات.. هو ابن عمها وإلا فهو واحد من أقاربها.. رأوا أن ذلك يزيد من أواصر القربى بين أفراد العائلة.. كما توقعوا أن القريب سيكون أكثر حرصاً عليها.
بعد الموافقة على الخاطب.. يدفع لوالدها مهراً بسيطاً.. ويتكفل أيضاً بجهاز العروس كله.. حتى ملابسها وحليها.. وكان يسمى عندهم (السوق).. الملابس.. كانت قطعاً من أقمشة.. وشيال بورسعيد (السائدة تلك الأيام) وعبايات.. و(أطياق) أقمشة.. لتوزع هدايا على أقاربها..
والحلي.. عبارة عن رشرش. وغوايش.. قد يصل عددها إلى الدرزن.. تلف ذراعها كأسطوانة ذهبية.. وقلادة.. ومعاضد.. وحجول.. وخواتم.. ودبل.. وخروص.. وكلها من الذهب.
وليس بالضرورة أن تقدم كل هذه الحلي للعروس.. بل على حسب استطاعة العريس..
بعضها يُرسل مع الجهاز.. وبعضها يقدمه لها (كصباحه).. في أول صباح لها عنده.. أما عن زينة العروس.. فقد كانت تُستأجر امرأة تسمى (الربعية) تتولى زينتها وإعدادها للزفاف..
تبدأ في اليوم السابق للزواج بالحناء.. وفي عصر يوم الزفاف تقوم بتمشيط العروس بخلطة تسمى (المشاط).. وهو عبارة عن سدر مخلوط بالمسك والريحان والزعفران.. ثم تضفر خصلات من شعرها بـ(حلاق) في مقدمة الرأس من يمينه إلى يساره..
(أتصوره كالتاج الذي يُلبس على الرأس اليوم).
ثم يوضع على هامتها (مقدمية) وهي تسمى (الهامة) عند البعض.. بعدها يأتي دور المكياج.. ولله دره ما أبسطه.. هو عبارة عن مسحوق كحل تكتحل به من (مكحلة) مصنوعة من نحاس ذهبي.. و(ديرم) للشفاه يكسبها اللون الأحمر القاني.
.. ثم ترتدي فستان الزفاف.. وهو فستان بسيط لم يُجلب من الخارج!.. ولم يُحاك بالآلاف عند أفخم المشاغل!.. إنما هو عبارة عن ثوب (زري) ذي خيوط ذهبية.. أو هو من (الترتر) في بعض الأحيان.
ثم تتعطر بعطور اشتهرت عندهم.. كالكلونيا.. وأبو طير.. ودهن العود.
تجلس بعد ذلك في غرفتها وبجوارها (الربعية) في انتظار دخول العريس.
كان وجود (الربعية) أحبتي.. ضرورياً لتخفف من قلق العروس.. وتقدم لها النصائح... فالعروس تلك الأيام.. صغيرة في السن.. وقليلة الدراية بتلك الأمور.
أما أهلها.. فقد انشغلوا عنها بحفل الزفاف.. لا يشغلهم أكثر من أن تمر تلك الليلة بسلام وستر من الله..
وبعد تناول المدعوين طعام العشاء.. يدخل العريس مع والد العروس على عروسته.. فتخرج (الربعية) بعد أن يكافئها العريس بما قسمه الله من نقود.. وتبقى في الخارج غير بعيدة عن غرفتهما..
بعدها يبدأ احتفال النساء بهذه المناسبة.. بالرقص على أغاني وأهازيج (الطقاقات).. وينتهي حفل الزفاف باكراً.. ما يقارب الساعة العاشرة..
أما العريس فيبقى في بيت أهل العروس.. حتى عصر الغد.
وفي الغد.. يُعد أهل العريس وجبة غداء.. يدعون لها أقاربهم وجيرانهم.. تسمى (الضيفة) ويرسلون منها إلى بيت أهل العروس..
ثم تنتقل العروس إلى بيتها الجديد.. وهو عادة بيت أهل زوجها.. وتذهب (الربعية) معها تُعينها.. لأيام تتفاوت من عائلة إلى أخرى..
ويقيم أهل العريس لها حفلاً في الليل احتفاءً بها.. يسمى (التحوال).
وهذا هو أحبتي.. زواج الأمس زمن الجدود.. واحكموا عليه إن شئتم.. بعد مقارنته بزواجات اليوم.. ستجدونه أبسط وأيسر وأقل تكلفة.. وربما أجمل وأسعد وأطول عمراً.. والحمد لله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)..
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وفق الله كل عروسين.. وبارك لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير.