يُعدّ اختراع المواقف والأحداث والكلام الذي ليس له أصل من الصحة ونشره بين الناس لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو حتى شخصية مرض عضال من أمراض الأمم والشعوب على مرّ التاريخ ذلك ما يطلقون عليه اسم الشائعة.
والأمر إذا شاع أي: انتشر وتفرق وذاع وظهر.
ويبلغ انتشار الشائعة سرعة قصوى تفوق سرعة انتشار النار في الهشيم سيما إذا كانت البيئات التي تنتشر فيها داعمة: كالبيئات التي تنعدم فيها الثقافة ويقل فيها التعليم وينتشر فيها الفوضى وتكثر فيها الاضطرابات والحروب ويعمها الفقر والجهل. ويزداد تفاقمها إذا كانت الشخصيات المحيطة بها لديها قابلية بأن تفتقد لمصدر صحيح تتلقى منه المعلومة وعقل واعٍ يفكر في منطقية ما يسمع ويرى! ويستحوذ عليها فراغ مفسد لصاحبه.
لقد أحدثت الشائعات على مر التاريخ ثغرات كبيرة على مستوى الشعوب والأمم فكم كانت سبباً في نشأة بعض الحروب وانهيار الكيانات وهدم البيوت وتقليص فرص النجاح وإثارة الشحناء بين الناس وتوسيع الفجوات التي يستغلها الأعداء لتحقيق مآربهم.
وكم تضرر المستهدفون بها ونالهم من العناء النفسي والمادي ما لم يتصوره عقل.
إنها وقود الحرب النفسية التي تأكل الأخضر واليابس!
والعجيب أن مطلق الشائعة يراها أحياناً السبيل الوحيد لتحقيق أهدافه غير النزيهة وأحياناً يعتبرها من أقوى الأساليب الداعمة التي يسند بها أفكاره ويتوّج بها تطلعاته ويبرر بها مواقفه.
والمؤسف أن تكون نتيجة الفراغ الذي يعاني منه بعض أولئك الذين يصنفون الشائعات على أنها نوع من التسلية وقياس ردة فعل الآخرين تجاه حدث يتوقع أو يتمنى أن يحدث.أو تجاه ما هو حادث بالفعل مما يشكل رأياً عاماً مُستَفَزّ أو مُفتَعل.
وما يدري جهلاً وسفهاً أنه يخدم غاياتٍ غير نبيلة ويحقق أهداف عدوه شعر بذلك أم لم يشعر! فإن كان لا يدري فتلك مصيبةٌ وإن كان يدري فالمصيبة أعظمُ!!
إن انعدام ثقة مطلق الشائعة في نفسه وجنوحه إلى ما يخالف الفطرة السوية وتبنيه مسارات غير واضحة دليل على خواء نفسي وروحي وضعف الوازع الديني والباعث الأخلاقي، فليس أحد من الشرفاء على مستوى العالم مسلماً كان أو غير مسلم يقبل أن يُتهم بأنه مصدر الشائعة أو مروجها؛ لأنه يراها لا تليق بالنفوس الراقية والشخصيات النزيهة.
فما بالك بمسلم حثه دينه على التزام الصدق والأمانة واجتناب الكذب والزور والبهتان والخيانة.
إننا رغم خطورة الداء إلا أننت بحمد الله نملك دواءه؛ فنحن كأفراد يمكننا التخلص من الآثار السلبية التي تُحدثها الشائعة بتجاهل أي خبر أو حدث ليس له مصدر معلوم موثوق، والتأمل في ما لا يقبله عقل ولا منطق والتثبت منه قبل قبوله، فضلاً عن أن نكون أدوات فاعلة في نشره وترويجه بين الناس.
كما أن الجهات ذات العلاقة عليها أن تتبنى استراتيجيات واقعية حقيقية ممكنة في وقاية المجتمع من خطر الشائعة المدمر؛ وذلك يكمن في أن تكون الجهات المسؤولة مصدراً مبادراً لبث المعلومات الصحيحة، وتفنيد المكذوبة؛ فتعلن للناس ما يحتاجون إلى إعلانه من الأخبار والأوامر والقرارات والأحداث وتنفي أو تثبت ما يستدعي ذلك في القنوات الرسمية التي تصل للناس ويفهمونها بلغة واضحة وفي وقت قياسي.
وتؤكد في مواقعها الرسمية والإلكترونية أن لديها كامل الاستعداد للإجابة عن أسئلة الجمهور واستفساراتهم كل في اختصاصه، إذ ذاك يعرف الناس من أين يتلقون معلوماتهم الحقيقية ويحددون مصادر أخبارهم.
إن المجتمعات المتحضرة ينبغي على أفرادها أن يكونوا حصناً منيعاً بأفكارهم وسلوكهم في التعامل مع المستجدات والمتغيرات وأن يحرصوا على تحقيق مستويات عالية من الأمن المعلوماتي أو الأمن الإخباري والتحصين الاجتماعي باحترافية التعامل مع المستجدات والأحداث وأن لا يكونوا أداة سائغة لمروجي ما لا يخدم دين ولا وطن ولا عقل ولا تطور ولا حضارة وأن يحققوا بعنايتهم بذلك سداً منيعاً لعقيدتهم وذواتهم وأوطانهم ومجتمعاتهم عندها يكف المـُغرضون عن مناوراتهم وتتكسر رماحهم وتوأد ممارساتهم العفنة في مهدها ويحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون.