يعيش العالم اليوم كله (والعالم العربي بالذات) فترة من الحروب والانقسامات واحتقانا بين الشعوب والحكومات وتمردا للميليشيات والجماعات ويقف الإنسان حائرا في كل ما يراه في وسائل الإعلام من قتل ودماء ودمار وأشلاء نسأل الله السلامة والعافية..
وفي ظل هذه الظروف الراهنة وخضم هذه الأحداث لابد من وقفة صادقة وجادة من أرباب الفكر والرأي وأصحاب الأقلام الصادقة في ترسيخ قيمة التسامح والتعايش، فقد بات من الطبيعي جدا في وقتنا الحاضر أن نتحول من مرحلة التصادم إلى التعايش بما يكفل حياة كريمة للإنسان بغضّ النظر عن عرقه ولونه وجنسه وديانته ومن الفرقة إلى الاجتماع ومن الاختلاف إلى التوافق واحترام جميع وجهات النظر أيا كانت وممن كانت، ولو رجعنا إلى السيرة النبوية العطرة لوجدنا قيم التسامح والاجتماع تجلّت في أبهى معانيها وأجمل صورها فهذا رسولكم عليه الصلاة والسلام حينما طرده المشركون من الطائف أتاه ملك الجبال وقال: السلام عليك يا رسول الله لقد أرسلني الله عز وجل إليك لتأمرني بما شئت فيهم، لو أمرتني أن أُطبق عليهم الأخشبين (جبلين في مكة) لفعلت،فيرد عليه الصلاة والسلام برحمة ورأفة وتسامح (بل أرجو الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا). هذا خلقه صلى الله عليه وسلم مع من خالفوه في الدين بل وآذوه وضربوه وأدموا قدميه الشريفتين فضلا عمن خالفوه في الفكر والرأي.
لابد أن نعي جيدا أن التعايش مع الواقع والمستجدات لا يعني أبدا التنازل عن القيم والمبادئ ولكن بعض الناس مازال لديهم هاجس وتخوف من كلمة (التعايش) ويصفون بكل من يأتي بهذه الكلمة بأنه موال للكفار ومداهن للمشركين (يا كافي) ولو أمعنا أيضا في السيرة النبوية العطرة لوجدنا كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعايش مع الآخر حينما هاجر إلى المدينة فقد كان فيها يهود ونصارى بل وحتى وثنيين ومع هذا عاش النبي مع هؤلاء الناس ومع هذا الخليط في محيط واحد ومدينة واحدة وبالتأكيد نحن لا نقر بالتثليث ولا نقر أن نبيا من أولاد الله عز وجل ولا نقر عبادة غير عبادة الله تعالى بل يتعجب الانسان حينما يعلم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يزور اليهود ومرضاهم، وفي أحد الأيام تمر من أمامه جنازة فيقف فيقول الصحابة رضوان الله عليهم هذا يهودي يا رسول الله فيقول عليه الصلاة والسلام (إنها نفس).
حينما نذكر كل هذا الكلام مع من يخالفنا في الدين فكيف بنا ممن هو على ديننا وعقيدتنا ولكن يخالفنا في الفكر والرأي ونرجع قليلا إلى الهجرة النبوية ودرس من روائع الهجرة حينما قام عليه الصلاة والسلام بأول خطوة عملية وهي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
هذا هو دين الله ودين رسوله- عليه الصلاة والسلام- من غير إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا إجحاف، هذا هو دين الإسلام دين لا ينفي الآخر على الإطلاق ويقر أن الاختلاف بين الناس في أشكالهم وأجناسهم وأفكارهم ومعتقداتهم هو سنة إلهية وحكمة ربانية.
ختاما: التعايش مع الآخر لا يعني أبدا الذوبان والتخلي عن الهوية الإسلامية بل يقوم على الاحترام المتبادل بين كل الأطراف ومعرفة حقوق وواجبات كل منهم بدون غلو أو إجحاف.
فهل يعي كل ذي عقل لبيب أن دين الله دين رحمة وعدل وإحسان ومعاملة حسنة مع جميع الناس؟؟