قبل الحديث:
سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود - ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية:
لقاء سموِّك الكريم هي أمنية بالنسبة لعمري وأغنية بالحسبة لحياتي لكنها -وبعد سلامتكم من محاولة الاغتيال الآثمة- أصبحت نذراً لزمني دَهراً، ومطلباً هزمني قَهراً، وسأنتظر البشير من قِبلك لتحقيقها وتوثيقها -ولن أيأس من توفيق الله- وأسأل الله أن يجعل تحقيق رغبتي بقدر مودتي لك ومنزلتي منك بحجم محبتك لأمتك ووطنك، ولقد دعوت الله شافعاً لي إليك لتحقيق رغبتي هذه فإن فعلتها حمدنا الله وشكرناك وإن منعتك ارتباطاتك شكرنا الله وعذرناك على أن ذلك لن ينقص من قدرك شيئاً عندي.
بين السطور:
سيِّدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز -ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية- أمير يرتدي معطفه سِلماً ويهتدي بعواطفه حلماً فتجده هنا لَيِّناً سمحاً لتعرفه هناك دَيِّناً متسامحاً وفي كلتا الحالتين تراه بَيِّناً واضحاً فلا يجامل على حساب وطنه وعقيدته ولا يَتحامل لمجرَّد ظنِّه واعتقاده فإذا ما استبانت له الرواية واتضحت عنده الرؤية تكمَّل بالعفاف وتجمَّل بالعفو -وكذلك كان آباؤه من قبلـ فهو حفيد ملك جمع الفرقة ووحَّد الصَّف كما أنه نجل أمير صوَّب حربته نحو (عقول) معتنقي الفكر الضَّال وجعل ضربته في (نحور) مروجي المخدرات ومهربيها فكان للوطن رجل الأمن (الأول) ولأخيه الملك عبد الله -رحمه الله- النائب (الثاني) ومن منَّا لا يعرف نايف بن عبد العزيز -رحمه الله-؟؟ وما بين جدٍّ عظيم ووالد حكيم نشأ محمد بن نايف نشأة كريمة وظهرت عليه علامات النَّجابة وأمارات الرَّحابة -ولا غرابة- فإن ملاحظة ما غفل عنه الآخرون -رغم ظهوره أمام أعينهم- يعتبر نبوغاً مبتكراً لأعلى الرتب وبلوغاً مبكراً لأغلى المراتب حتى نال ثقة الوطن والمواطن وولاة الأمر ليكون وزيراً للداخلية وما كان لسموه إلا أن يكون ناجحاً وبامتياز ومع مرتبة الشرف وكيف يفشل من تتلمذ على يد نايف بن عبد العزيز؟؟ وما هي إلا فترة وجيزة خلت من المجاملات السياسية والمجازفات غير المدروسة حتى تم اختياره ولياً لولي العهد ثم ما لبث أن منحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وبموافقة أغلبية أعضاء البيعة مكانه الطبيعي كوليٍّ للعهد بعد تنازل صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز -حفظه الله- عن منصبه ليخلفه «محمد بن نايف» وكانت هذه بحد ذاتها من عاجل بشرى الوطن وضربة قاصمة للمتربصين بالوطن من أعدائه الذي يقتاتون على ما يصلهم من حفنة دراهم مقابل خيانتهم لبلادهم فمن جهة سيكون سموه أول أبناء الجيل الثالث وأحفاد الملك الأول الذي يصل لهذا المنصب الحساس ومن جهة أخرى فقد لاقى تعيينه في منصبه هذا تأييداً شعبياً وقبولاً منقطع النظير فالجميع يعلم ما قام به سموه الكريم بحكمته وحنكته من إرساء دعائم الحكم في البلاد لسنواتٍ طوال خاصة مع بداية انطلاقة الأعمال الإرهابية العابثة التي أهلكت الحرث والنسل دون وازع من دين ولا رادع من خلق حتى رجعنا إلى بيوتنا وقد كُفينا شرهم.
حصل الأمير محمد بن نايف على بكالوريوس العلوم السياسية من أمريكا ليتم تعيينه مساعداً لوزير الداخليِّة للشؤون الأمنية بمرتبة وزير كمكرمة ملكية في وقت كان الوطن يئن من جحود المارقين من الدِّين والخارجين على الوطن ولأن تحقيق المهام الصعبة لقلة المنافسين عليها أسهل من تحقيق المهام السهلة -لكثرة المنافسين عليها والمتنافسين من أجلها فقد تبنَّى الأمير محمد بن نايف مشروعاً ذكياً وجباراً لتأهيل المنحرفين فكريَّاً والمنصرفين عقديَّاً فكانت نشأة (مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية) بجهد فردي بنظرته وبزهد فريد بنظريته، فنظرته «إصلاح الفرد قبل معاقبته»، ونظريته «إبطال مبادئ العدو خير من قتله»، لكن اللافت في هذا المركز هو تأكيد سموه على عدم استخدام كلمة «أمير» في تسمية المركز كسراً لجمود المسؤول وجبراً لصمود السائل فنجحت الفكرة بشهادة وإشادة مجلس الأمن الدولي ليطلب رسمياً من المملكة مساعدتها في الاستفادة من البرنامج ومع ذلك يصر سموه على تجيير هذا النجاح لوطنه ومواطنيه وتحديداً لرجال الأمن البواسل في مختلف القطاعات إيثاراً على النفس واستئثاراً بالنفيس، وكانت نتيجة ذلك أن قلَّده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى تقديراً لجهوده في حفظ الأمن بينما خلَّده الوطن رمزاً وطنياً فاضلاً ومناضلاً ضد محاولات إيقاظ فتنة نائمة -»لعن الله من أيقظها»- وما بين التقليد والتخليد سنوات كفاح صنعت لأمتنا وبلادنا مجداً اسمه «محمد بن نايف بن عبد العزيز» لكن المحطَّة المهمة في حياة الأمير محمد بن نايف هي « إنسانيَّته» التي تتجاوز الواقع أميالاً وتتزاوج بالخيال أجيالاً فلا يستشهد رجل أمن إلا ويشارك أسرته مصابهم فيقضي دين ميِّتهم ويؤمِّن سكن حيِّهم ويتكفَّل بوظيفة عائلهم لقناعته «أن الموت لا يوجع الموتى بل يوجع الأحياء ويؤلمهم» ولا يصاب رجل أمن إلا ويعوده فيحتضنه بحب ويعانقه بمحبَّة مبتدئاً بكلمته المشهورة «ما قدامك إلا العافية» ومنتهياً بتوجيهه بمتابعة حالته أما الذاهبين إلى مناطق مضطربة والعائدين إلى «مملكة» مطمئنة فيعاملهم برأفة ويتعامل معهم بتسامح فيكرم وفادتهم ويمكِّن أسرهم من زيارتهم يؤنبهم بسماحته ويعاتبهم بتسامحه وهي صفات تجعل صاحبها هدفاً لكل حاسد ومستهدفاً من كل حاقد ولذلك خرج من تجرَّد من عقيدته وتمرَّد على إنسانيته ففي السادس مشهر رمضان لعام 1430هـ أعلن أحد المطلوبين رغبته تسليم نفسه فأجاره الأمير محمد بن نايف وأعطاه الأمان على نفسه ومنع الحرس الشخصي من تفتيشه فإن صدقت نيته فليس من شيم الكرام ترويع المستجير وإن كان كاذباً «فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله» ففتح صدره لهذا المستجير ورفاقه كاظماً عنهم غيظه ومتغاضياً عن أذيتهم «فلم يبدها لهم» فكان بعفوه متبرِّعاً لهم وبعفويته متورِّعاً عنهم فكان - أثناء محادثته الهاتفية مع ذلك المستجير - يطمئنه على أسرته ويسأله عن إحدى المواطنات التي خرجت لإحدى دول الجوار مع أبنائها الصغار ويسأل عن حالها ومآلها ويؤكد أن سلامتها أمر مهم له شخصياً وأنه حريص على عودتها وإياهم سالمين نادمين إلا أن ذلك المستجير ورفاقه قابلوا السماحة بغدر لا يمت للدين بصلة ولا يجتمع مع المروءة في صفة إذ كانوا يريدون محمد بن نايف (اغتيالاً) منظماً للقيم ويستهدفونه (احتيالاً) منتظماً على الشِّيم ولأن الكريم يجد متكأً حتى وإن وقع فقد أصيب سموه بإصابات خفيفة طفيفة فكانت الإصابة الكبرى والمصيبة العظمى لذلك المستجير الذي «عثره الله وما راح إلا هو» عندما «راح سبعين قطعة» ولم تمض لحظات إلا وجاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- للمستشفى اطمئناناً على سموه وتطميناً للمواطن الذي وقف متضامناً مع شهم كادت شهامته أن تنقلب وبالاً علينا وتكسر ظهورنا «ولكن الله سلم» ومع ذلك فلم يقابل سموه الإساءة بمثلها إذ هاتف أسرة القتيل معزِّياً ومواسياً ومتناسياً إصابته فلم يأخذهم أو يؤاخذهم بجريرة ابنهم لأنه يعرف متى يكون العفو فضيلة والرِّفق تفضُّلاً والصفح عتاباً وعتباً وهي الصفات التي غابت عن أذهان ذلك المستجير المعتدي ورفاقه لتبقى تلك الليلة بأحداثها وأحاديثها وحوادثها دليلاً أصيلاً على «إن الله يدافع عن الذين آمنوا» ولتظلَّ تلك الحادثة المُحدثة راسخة للمقام ناسخة للقيم بل وصمة عار وبصمة خزي لكل مستجير غادر، بينما سيبقى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وجهة -بعد الله- لكل مستجير وإضاءة لن تطفئها -بحول الله- استجارة غادر أبداً وسأظل شخصياً بانتظار مقابلته أو حتى سماع صوته ومبايعته ولو كان على الهاتف وفاءً بنذري ولا أظن سموه الكريم سيبخل علي بتحقيق رغبتي وهو الذي عاشر الناس وخالطهم وصبر على أذى بعض المتجردين من الدين والمتمردين على القيم.
- عارف بن حامد العضيب