هذه المنظومة المتماسكة قوامها روحٌ وجسدٌ وقلبٌ ورأسٌ وحرس وجناحا توأمة.
سأبدأ من ثنائية التوأمة هذه لأهميتها التأريخية في تجسيد معنى الثبات حتى الممات على عقيدة آمن المحمدان الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب أنها المبدأ الذي لا يمكن المحيد عنه، وأنها الطريق وسبيل الخلاص مما ينافي التوحيد، وفشى بسبب الجهل؛ ولأن هذه العقيدة الإيمانية الصافية الخالصة مستمدةٌ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح، فإن المناوئين لمثل هذا التعاضد القوي لم يجدوا بداً من تسمية الدولة السعودية الأولى بـ«الوهابية» ولحكامها بالوهابيين بغية التنفير منها كمذهب جديد وطارئ بزعمهم، وهذا هو دأب كل مبطل وفاشل عندما يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة، والأدلة والبراهين المستمدة من مصادرها الموثوقة، يُظهر النبز والثلب والطعن والتشنيع لعل وعسى أن يلقى ذلك أو بعضه آذاناً مستقبِلةً فتسبح مع تيار الغواية والضلال الذي يروّجون له! استمر - بحمد الله - هذا الثبات على دين الحق ومنهجه القويم وصراطه المستقيم لهذه الدولة السعودية المباركة حتى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة - إن شاء الله - شاء من شاء، وأبى من أبى.
ثلاثة قرون وأبناء وأحفاد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - يسيرون على المنهاج ذاته، والمبادئ والقيم عينها، معتمدين على الله وحده في توطيد وإرساء دعائم الحكم المبنية على العدل والتوسط والاعتدال والإخاء والتناصح والدعوة إلى الله والقيام بأشرف واجب وهو خدمة الحرمين الشريفين وسلامة قاصديهما حجاجاً وزواراً ومعتمرين.
فور مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - تابع الجميع قرارات تاريخية تصب في مصلحة العباد والبلاد، بحِزم وأعداد غير مسلوقة، مما يثبت للقاصي والداني أن فكراً يقف خلف مثل هذه الإنجازات والتخطيط لابد أن يكون ممّن تسنّم أمانة المسئولية العظيمة هذه مبكراً.. وهذا ما كان بحق؛ فالملك سلمان منذ نعومة أظفاره وهو خير عون وسند لإخوانه الملوك السابقين - رحمهم الله جميعاً -، وكان مشاركاً فاعلاً في جل القرارات الحاسمة والمهمة التي تخدم مصالح السعودية والسعوديين بشكل خاص، والمسلمين أينما وجدوا بشكل عام.
كان من ضمن القرارات الإستراتيجية التاريخية الفورية والحاسمة، والتي ألجمت كثيراً من التقولات حينها قرار تعيين المحمّدين.. الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز. الأول بصفته ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية ورئيساً لمجلس الشئون السياسية والأمنية.
والثاني بصفته وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي ورئيساً لمجلس الشئون الأقتصادية والتنمية.
ها هي متلازمة العقدة من المحمدين - الجناحين - تعود مجدداً عن طريق أحفاد أولئك المشنّعين على دعوة التجديد في مبدئها، ولكن بطريقة وأسلوب أكثر فجاجة وأعظم قبحاً، وذلك كله تحت ثأثير ما سببته لهم عاصفة الحزم من فقدان التوازن حين مارت الأرض من تحت أقدامهم وضاقت عليهم بما رحُبت وضاقت عليهم أنفسهم.
هذه المباغتة بما أحدثته من إرباك وتخلخل وتشتت لم يكونوا في الحسبان، جعلتهم يطلقون أقوالهم المعهودة والممجوجة والمردودة عليهم لسذاجتها، بأن قلة خبرة القيادة الشابة.. هكذا!! وما شابه ذلك من الهراء.. لم تكن بالقرار الحكيم!! أرأيتم كيف أن التدخلات السافرة وحشر الأنوف في شئون الغير ليست حكراً على «التصدير» و«التعليب» و«التفخيخ» و«التدريب» فحسب!! وتدخلٌ ممّن؟ من كبيرهم الذي علمهم السحر.
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فإنهها عن غيّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
القرار الحكيم يا.. أنتم سوف يظهر لكم إن أنتم خففتم قليلاً من استعلائكم وغلوائكم ونظرتكم القاصرة التي حجبت عن أعينكم أن التدخل في شئون الغير بهذه الصفاقة وبغطرسة وفوقيَة عواقبه وخيمة.
جناحا الأمن الوارف، الشابان المتّقدان حماسةً ودرايةً وتأهيلاً، سوياً مع سابقهما في تسنّم مهمة قيادة حرسنا الوطني المغوار والمشهود له بالبسالة والفداء، الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز.. كلهم دروع حصينةٌ تحمي قلاع التوحيد الشمَاء من كيد الكائدين وشرور المعتدين.
أختم بما يعلمه كل غيور محب لدينه ومليكه ووطنه أن الجسد هو هذا الشعب الوفي وهذا الوطن التماسك والمتلاحم في كل الظروف والأحوال مع قيادته، ولاءً وحباً وانتماءً. يتنفس هذا الجسد مع منظومته القيادية عبق الرسالة الخاتمة ليله مع نهاره ليعيش «حياً» في هذه الدنيا، ولينعم بحياة السعادة الأبدية في الآخرة بأمر الله تعالى وفضله ورحمته.
أما الروح فهو هذا المليك المسدّد المتفاني، والحكيم الحازم، سلمان بن عبدالعزيز الذي جعل من كلمات أوشكت أن لا تُسمع إلا قليلاً مثل العزة والفخر والإباء والنخوة وحتى «الرجولة» الحقة، تكون على الألسن متداولةً، عربيّها وعجميّها، إعجاباً بهذه الشجاعة والدبلوماسية الفذّة؛ وهو الذي جعل - بفضل من الله - من أفعال لا يُقدِم عليها إلا الأقوياء بالله أولاً ثم الثقة بنصره على كل الألسنة عربيّها وعجميّها، تحدثاً عن هذه الهبّة البطولية لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والجار ذي الحقوق أمام هذا التمدد والطغيان الصفوي المستهين - وأذرعته - بكل ما هو عربيّ وأبيّ.
القلب، هو من مكانه القلب، مقرنُ الطيبة، ينبض بابتسامته التي تنفذ إلى النفوس بلا استئذان تواضعاً ومحبةً لأهل هذا الوطن العزيز، يعرف هذا كل من قابله أو سمع عن سيرته البيضاء كبياض قلبه، سواء في حائل أو المدينة المنورة إبّان إمارته لهما، لكنها في المقابل لمن يريد الشر والعدوان بهذه البلاد الطاهرة وأهلها تقول: لا تظنّن أن مقرن يبتسم، إلا من سذاجتك وهوانك عنده.
أمّا الرأس المفكّر ففيه عينا صقر وعقل حصيف وأذُنا متدبرٍ متفكّرٍ ولسان بليغ، وبلغات عدة.
ذلكم هو رجل الدبلوماسية السعودية الخارجية الأول الأمير سعود الفيصل، الذي هو بحق جامعة - ما شاء الله - يعطي الدروس تلو الدروس حول ماهيّةِ هذا المبدأ الراسخ، وهو الثبات والمصداقية دون مواربة بأسلوب يخجل أهل المناورات واللعب بالألفاظ والتذبذب وفق المصالح، ليثبت أن مملكةً هذا شأنها وهذه مكانتها جديرة بالاحترام الدولي الذي تحظى به، لأن من يمثلونها يتمثلون ذلك ويطبقونه قولاً وعملاً، ووضوحاً وصراحةً.