من يقرأ التاريخ سيجد أن القدرة على تحرير الشعوب من الاستعمار وصد الغزاة الطامعين ناتج عن تضافر عوامل كثيرة من أهمها قوة العزيمة والصبر لتحقيق النصر. ونحن مطمئنون إلى أن قيادتنا عندما قرَّرت المباشرة في دحر عملاء طهران وطرد النفوذ الفارسي من اليمن، والذي سيليه بمشيئة الله دحر ذلك النفوذ وتقويض دعائمه في سوريا ولبنان والعراق، قد تبنت سياسة تقوم على الصبر الإستراتيجي والأناة وطول النفس.
فلو استعرضنا ما سجّله التاريخ لأمتنا من انتصارات في الفتوحات الإسلامية أو في الحروب لصد الغزاة، لتبين لنا مدى أهمية وجود قائد محنك وشجاع على رأس هرم الدولة أو على رأس الجيوش في ساحات القتال. وتاريخنا حافل بالشواهد والأمثلة كمعركة ذي قار بقيادة هانئ بن مسعود الشيباني ضد الفرس، ومعركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص ضد الفرس أيضاً، ومعركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد ضد الروم، ومعركة فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد، ومعركة حطين ضد الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، ومعركة عين جالوت ضد المغول بقيادة سيف الدين قطز. ففي كل تلك المعارك المجيدة كان لتضافر عزيمة وحنكة وشجاعة القيادة السياسية والعسكرية الفضل والدور الأبرز والأهم في تحقيق الانتصارات المؤزرة. وليس بخاف ما تبدى في معركة عاصفة الحزم من وعي مسبق لمتطلبات المعركة وإعداد جيد لخوضها من خلال بناء تحالف واسع ومتماسك وعدم التردد أو التقاعس بانتظار وصول الضوء الأخضر من قبل من تبيّن بوضوح أنهم مجرد أصدقاء في المظهر واللسان، وأنهم لا يتوانون عن التضحية بمصالحنا من أجل مصالحهم وإستراتجياتهم، حيث ما انفكوا يحاولون القفز من فوق الثوابت المشتركة التي تعاهدنا عليها على مر السنين إلى الضفة الأخرى من الخليج العربي لعقد صفقات باطنها أشد التباساً وخطورة علينا من ظاهرها، مما دفع بالملك سلمان ومعه إخوانه قادة مجلس التعاون الخليجي إلى الإمساك بزمام المبادرة بحزم ودونما تردد والضرب بيد من حديد على يد الحوثيين ومن لف لفهم من العابثين بأمن واستقرار جيراننا في اليمن، غير ملتفتين إلى لومة لائم، ولاعابئين بمن أبخس العرب قدرهم من الدول العظمى.
هذا ويحلو للبعض أن ينكر أو يقزّم دور الفرد القائد في صناعة التاريخ. ولكن ما كانت بريطانيا لتفعل مثلاً لو لم يقيِّض الله لها قائداً صلباً من العيار الثقيل بمواصفات ونستون تشرشل الذي تحلَّى بطول النفس وبإرادة فولاذية على الصبر والصمود والتحدي وقهر الوحش النازي الذي اجتاحت جيوشه كالعاصفة الكاسحة معظم بلدان غرب وشرق أوروبا.
وكيف كان سيتغيّر وجه منطقتنا العربية الإسلامية التي كان سيخيّم عليها الظلم والظلام لو لم يقيّض الله للعرب والمسلمين قيادات حازمة وشجاعة وصبورة في الصراع الطويل والمر الذي دام قروناً ضد الغزوات الصليبية الجامحة، وضد جحافل المغول والتتار المتوحشة التي لا تبق ولا تذر.
ما نشهده في هذه الأيام من سعي محمود لوضع حد لتمدد النفوذ الفارسي في اليمن، وإجبار عملاء طهران على العودة عن غيِّهم والتخلِّي عن مشروع فرض هيمنتهم على كافة أنحاء ذلك البلد الشقيق والمجاور، سوف يسطّره التاريخ لنا كفصل مشرق ومشرِّف في صفحاته. وكما قيَّض الله لبلدنا المترامية الأطراف في عشرينيات القرن الماضي قائداً فذاً وحَّد قبائلها وجمع شملها في بوتقة دولة قوية واحدة ومزدهرة، فها قد قيَّض الله لنا في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العرب والمسلمين قائداً محنكاً وحازماً ما أن تسلَّم دفة السفينة حتى رفع راية التحديث والترشيد وبث الدماء الشابة في مفاصل الدولة من جهة، وراية التحرير من هيمنة الطامعين في السيطرة على بلادنا بغية تمزيقها والتحكم بمقدراتها ونهب ثرواتها من جهة أخرى. وليس آت من فراغ ما نشهده حالياً من التفاف الشعوب العربية والإسلامية حول قيادة المملكة وتعليق الآمال عليها في توحيد كلمة الأمة وتحرير إرادتها وإعلاء شأنها.
ومن نافلة القول إن السنن الإلهية قد اقتضت أن لا يكون تحقيق الانتصارات وتسلسل النجاحات نتاج توفيق أو حظ فقط، بل مؤشر واضح على وجود عمل حازم ودؤوب وتحل بروح المسؤولية والمثابرة وطول النفس. ونحن سنرى بعون الله رايات النصر ترفرف عمَّا قريب فوق كامل تراب اليمن، معزّزة بالثناء والاعتراف بالفضل لقائد مسيرة الإعمار والتحديث والتحرير الملك سلمان بن عبدالعزيز سدَّد الله خطاه.
وقد صدق شاعرنا محمد بن عثيمين حينما قال:
العز والمجد في الهندية القضب
لا في الرسائل والتنميق للخطب