ثلاثون عاماً ضاعت هدراً من عمر لبنان البلد الصغير المسالم الذي ابتلي بحربه الطائفية ووقوعه تحت الأسر السوري الغاشم وعربدة جنود الجيش من مخابرات عسكرية ومدنية.. فقد كنت يومها شاهد عيان ببيروت -أسكن بفندق الكمودور- بشارع الحمراء ومن نافذتي المطلة على الشارع أنظر للهوائل التي تحدث ليلاً نهاراً وكيف كان اللبناني يقف ذليلاً أمام عسكري دورية سورية, وهم يستجوبونه ويسألون عن هويته ويشتمونه بأقذع الألفاظ النابية إذا ما سأل عن السبب.. حتى أنني ذات ليلة لم أسلم من الأذى طلبوا إبراز هويتي وتفتيش حقيبتي اليدوية، وقد كنت عائداً لبيروت من قرية -بسكنتا- الجبلية في زيارة للمفكر الأديب ميخائيل نعيمة.. وقد أجريت معه لقاءً صحافياً.
فرغم خروج جيش بشار مطروداً من لبنان بقرار أممي عام 2005, فقد انتقم حزب البعث المشهور بالانتقام والدموية, من لبنان فسعى لتقوية -الحزب الإيراني- ووطد العلاقة بطهران فكانت طهران ترسل بالطائرات المعدات العسكرية والصواريخ وكافة الأسلحة -لحزبها- عبر مطار حلب واللاذقية لتصل -للحزب- الذي بنى ترسانته العسكرية بالجنوب اللبناني بحجة التصدي لإسرائيل والذي ما أن قام -الحزب الإيراني- بالتحرش بإسرائيل إلا وقامت الحرب بينهما وتم تدمير الجنوب اللبناني تحت مغامرة وطيش -الحزب الإيراني- وصراخ حزب اللات بأيقاف الحرب عليه, ومن ثم أدعاء انتصاره الموهوم على إسرائيل بإعلامه الفاجر بقلب الحقائق.. حينما سهل لها الأب الهالك حافظ أسد كل سبل الأمداد العسكري للهيمنة على لبنان ليأتي ابنه بشار ليكمل المشوار في نحر لبنان من الوريد للوريد بتقوية -حزب طهران- ومن ثم القيام بالجرم الكبير بمقتل الحريري, بتدبير الحزب والنظام السوري. وغيرها من المصائب لقتل الكثير من زعماء بلبنان من خلال التفجيرات المتتالية التي قضت على الكثير منهم.
حتى هذه الساعة لايزال بشار وهو اسم على غير مسمى فمن المفترض أن يكون اسمه -هدار- أي الذي أهدر دم الشعب السوري بمساعدة حليفته طهران وحزبها في لبنان الذي يقاتل لجانب جيش بشار المتهالك المستخدم للبراميل المتفجرة على رؤوس الشعب السوري.
العالم يدرك تماماً ما تقوم به طهران من قتل وتخريب بسوريا. والهدف أن تكون وصية على سوريا والمحافظة على حزبها بلبنان.. وتمييع المحكمة الدولية لبشار والحزب في مقتل -رفيق الحريري- رئيس وزراء لبنان. فهما من دبر الجريمة. والدليل تخلص بشار والحزب من أعوانهم المنفذين للجريمة - غازي كنعان رستم غزالة الممسكين بالملف اللبناني, ومغنية الذراع العسكري للحزب الإيراني. حتى أن تفجير الخلية الأمنية التي راح ضحيتها آصف شوكت والشهابي وغيرهم هو بتدبير إيراني مع النظام.
فإن أي كائن من كان لا يستطيع الوصول لمبنى الاجتماع ومخابرات النظام التي تحصي دبيب النملة التي تدب على الأرض بالشارع السوري، ناهيكم عن مبنى عسكري محصن!!.
مستعمرة -حزب إيران- بالجنوب اللبناني هي أشد وقعاً وإيلاما على النفس اللبنانية من الاستيطان الإسرائيلي بفلسطين. فالحزب الإيراني هو الآن المتحكم بلبنان والدليل تعطيله لوجود رئيس للبنان توافقي. فالحزب يحلم بالتوسع بحكم لبنان من شماله لجنوبه وتسلم زمام قراره الرئاسي والسيادي عليه. وربما قرأت قول وزير الدالخية اللبناني الأسبق- أحمد فتفت لصحيفة سعودية- أن حزب الله فرقة متقدمة للحرس الثوري الإيراني.. وقناعتي أن الحزب لم يتخل يوماً عما كان عليه حسن نصرالله منذ 25سنة عندما قال نحن لا نسعى لدولة إسلامية في لبنان نحن نسعى لكي يكون لبنان جزءاً من الدولة الإسلامية الممتدة من طهران إلى بيروت -.
النظام السوري الدموي. لا زالت المحكمة الدولية الجنائية هاجسه. ورغم أنه لايزال يقتل السوريين بعد ثورتهم عليه للتخلص من حكمه الحديدي. فهو نظام خائن لا يتورع من قتل المسؤولين لديه. فما بالكم وقد أزدادت وطأة المطالبة برأس النظام ومحاسبته على جرائمه بدءاً بقتل رئيس وزرائه آنذاك محمود الزعبي. وقيل عنه أنتحر ومن ثم التخلص من تهمة مقتل الحريري, بقتل غازي كنعان وقيل عنه أنتحر وجامع جامع وأخيراً رستم غزالة.. الذين تم استجوابهم من قبل المحكمة الدولية.
كل مصائب لبنان هي من تدبير الأب حافظ وأبنه بشار.. والأنكأ فرقة حسب الله الموالي لطهران وبشار والحزب ومؤيديه بمثل ميشال عون وغيره المؤيدين لتعطيل اختيار الرئيس للبنان. والهوس العوني بالرئاسة أضحوكة حزب الولي الفقية الذي وعده بتسنم مقاليد الرئاسة.
هذه الحروب المدمرة التي مرت بلبنان وما يعاني منه أشد حروب دسية وعلانية اليوم هو أمر مقصود لضياع لبنان بالتيه والتوقف عن السياحة لهذا البلد الجميل.. ولعل شاعرنا الراحل غازي القصيبي -رحمه الله-. في قصيدة له عن لبنان كأنه في محاكاة لوضع لبنان الجريح بوقع النصال على جسده من غدر حزب اللات والنظام السوري. كل هذا لم يمنع شاعرنا القصيبي من الحب لبيروت والتغني بها، وكأننا نسمعه اليوم يقول عبر قصيدته بعنوان: (بيروت - مقاطع)
بيروت! ويحك! أين السحر والطيب؟
وأين حسن على الشطآن مسكوب؟
وأين رحلتنا والوجد مركبنا
والبحر أفق من الأحلام منصوب؟
وأنت مترعة النهدين مترفة
دنيا كوعد بشوق الوصل مخصوب
في مقلتيك من الأهوا أعنفها
وفي شفاهك إيما وترحيب
وفي يميني ورود جئت أزرعها
على ضفائر فيها الليل مصلوب
بيروت ماذا يقول الناس؟ هل ذبحت بيض
الأماني وغال الطفلة الذيب؟
وهل توارى مليح كان يأسرني
وهل قضى قبل يوم الوعد محبوب؟
وأين ماكان يا بيروت إذ رقصتلي
الليالي وطارت بي الأعاجيب؟
وأين شعر جميل لست أذكره
على الصنوبر والتفاح مكتوب؟
وأين أول حب ضمني ومضى
ووقده في حنايا القلب مشبوب؟
بيروت لا تصفي لي الجرح أعرفه
فإنه في دمائي الحمر معصوب
أنا الذي أسرته الروم.. مالحقتبه العراب.. وخانته الأعاريب
حملت في كبدي الآلام فانفطرت وطوحت بي إلى اليأس التجاريب
ياللزعامت تلهو بي.. وأعشقها وربما عشق الأزراء منكوب
كم أرضعوني شراب الوهم كم سخروا مني.. وكم غصبت روحي الأكاذيب
لا تنتهي غفلة عندي معتقة ولا انتهت عندهم تلك الألاعيب.
بماذا أختم عن لبنان والحدث عنه لا يمل.. هل أحكي عنه لكونه دوحة الأدب والفن والنشر بكامل فنونه وعظماء نوابغه أم أحكي عن أجوائه اللطيفة بجباله المنيفة وعالمه الأنيس وعلاقته بأشقائه العرب. هل أحدثكم عن الأخطل الصغير وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وسعيد عقل وأمين الريحاني وإلياس أبو شبكة وأمين معلوف. وغيرهم وبيروت عاصمة الكتّاب.. وهل ننسى عمداء الفن الراقي فيروز والرحابنة. وديع ونصري وغيرهم. أبداً.
لبنان ستعود ذات يوم سيدة الدار والقرار الذي من المتوقع بعد زوال الدكتاتور بشار وفلول حزب اللات الفارسي.. فإن حزب الشيطان لن يكون له مكان في لبنان. وستنتهي غطرسة وكذب حسن زميرة وقد أطلق عليه هذا الأسم شعب لبنان. وبالطبع أنه الزميرة الفارسية.