الحقيقة لا تغيب عن الناس، والمعدن الأصلي لا يعيبه الزمان، والسماء تكشف العيوب حين تمطر. والتلميع ما هي إلا صورة مخالفة للواقع. لمَّعَ يلمِّع، تلميعًا، فهو مُلمِّع، والمفعول مُلمَّع ومعنى التلميع: كلُّ لَوْن خالَفَ لونًا ولَمَّعَ النَّسِيجَ: لَوَّنَهُ أَلْوَاناً مُخْتَلِفَةً. فلماذا نُلمع؟ هل نُلمع من لا يستحق التلميع. في زمنِ كثرتْ فيه المحسوبيات والمصالح الشخصية والنفاق الاجتماعي وفي تفاصيل الحياة كافة لا تستغرب أبدا وجود هذه التلميعات. ترى ما هي نتيجة الإنسان المُلمّع؟ النتيجة واضحة السعي جاهداً لخدمة من قاموا بتلميعه.
الزوجة تُلمع زوجها في محيطها وتجعله إنساناً مميزاً وهي تعلم حقيقة زوجها، الموظف يُلمع مديرة وينهال عليه بالمدح والثناء وهو يعلم حقيقة. الخطيب الذي يريد أن يخطب فتاة يُلمع من قِبل أصدقائه وهم يعرفون على أرضٍ يقف. الزوج يُلمع زوجته وهو يعرف مدى العلاقة التي تربطه بها. فالمثل الشعبي يقول: حبل الكذب قصير، وكثرة التلميع والصبغ بالألوان قد تزيلها زخة مطر، وتنكشف الحقيقة، وهذا ما نلاحظه في واقعنا ومن حولنا.
لست ضد التلميع إذا كان المُلمّع يستحق ذلك، شخصيا مع التلميع الذي يعلوه بعض شوائب الدنيا والذهب يستحق التلميع بين فترة وأخرى أليس كذلك. وهناك منهم في الظل ويستحقون التلميع دون معرفتهم، وما أجمل التلميع إذا كان هدفه تقديم خدمة من مبدأ أحب لأخيك ما تحبه لنفسك روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ). المهم لا تُلمّع نفسك على حساب الآخرين.
من غير المقبول وغير المعقول أن نلمع من أجل المصلحة الشخصية وهذا داء منتشر في تفاصيل حياتنا اليومية، وأحيانا كثيرة نبحث عن أشخاص سقطت أرقام هواتفهم وأسمائهم من قائمة الاتصال في هواتفنا الجوالة من أجل ماذا؟ من أجل طلب خدمة؟ السبيل لذلك التلميع وذكر المحاسن والتاريخ والسمعة ومن ثم طلب الخدمة مسكين المُلمع صدّق ما سمع وهو يعلم حقيقته لكنها يريد أن يعيش وهم التلميع. أقتبس (ليس السؤال كيف يراك الناس لكن السؤال كيف أنت تري نفسك). أتساءل ما هو شعور الإنسان الذي يعيش لحظات التلميع؟ ما هو شعور الإنسان حين يُلمّع بمقام ليس مقامه ومكانة ليستْ مكانته؟ هل حقاً هناك من يقول لا تمدحني وأنت تعرف من أكون، يقول ابن سيرين: (إذا رأيت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك، فلا تأمن أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك). وهناك من الناس من يقول لا تمدحني فأنا أعرف نفسي أكثر منكْ.
هناك من الناس من يخونه التعبير كما يقال، وهناك من لا يستطيع التعبير، وهناك من تتسابق العبارات على لسانه لكنه لا يستطيع أن يتفوه بها هؤلاء يستحقون التلميع المعقول وإنقاذهم حين من الموقف المحرج، وما أكثر ما نمر في مواقف محرجة في حياتنا. وللتلميع سلبيات كثيرة لا أريد أن أغوص في أعماقها ومنها تتيح الفرصة لمن لا يستحق الظهور أن يكون وجهاً لامعاً في سماء المجتمع الذي يرفضه حين ينتهي مفعول التلميع، كذلك مساعدة الإنسان المُلمع في فرض سيطرته في محيطه الذي يعيش فيه. عن أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رجلاً ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأثنى عليه رجل خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويحك! قطعت عنق صاحبك..» -يقوله مراراً- «إن كان أحدكم مادحاً لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يُرى أنه كذلك، وحسيبه اللَّه ولا يزكى على اللَّه أحد» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).