الحديث عن قامة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود هو حديث عن قامة عملاقة، تُصّعب الأمر كثيراً على أي كاتب أو شاعر أو أديب، فمآثره عديدة طالت شعوباً وبلاداً عديدة.
والمتابع لأحوال المملكة العربية السعودية عبر العصور الأخيرة، لا يمكنه إلاّ وأن يلحظ تطوراً كبيراً وملحوظاً في مدنها، خاصة في عاصمتها الرياض، التي تطورت عمرانياً لتضاهي في حداثتها عواصم عالمية كبرى، ولا نتجاوز الحقيقة إن قلنا إن أمير الرياض سابقاً وملكها الحالي الملك سلمان بن عبدالعزيز هو باني هذه النهضة في هذه المدينة العملاقة.
اهتمام أمير الرياض- آنذاك- الملك سلمان لم يتوقف عند المباني والطرقات، أو الحدائق والمحلات، بل اهتم أيضاً بالعنصر الأهم المكون لهذه المدينة، وهو السكان، فصب جُل اهتمامه على السكان مواطنين ومقيمين، وكانت أبوابه (قصر الإمارة) مفتوحة للجميع، وخاصة للمظالم، فلم يذهب أحد بمظلمةٍ إلا وخرج راضياً.
فالملك سلمان بن عبدالعزيز كان مدرسة في الإدارة الحديثة، ففي عهده لم تتوقف حدود إنجازات إمارة الرياض عند الإدارة أو التخطيط العمراني أو النظم، وإنما تعدت حدود إنجازاتها لتضحى مستقراً يعود له الناس حين تضيق بهم الأحوال.
أما عند الحديث عن الفلسطينيين، فكان لهم حظوة خاصة لدى أمير الرياض الملك سلمان بن عبدالعزيز على مختلف الأصعدة، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الإقامة والتأشيرات وغيرها. ومن خلال تجربتي كسفير لدولة فلسطين لدى المملكة، لمست كرمه العربي الأصيل والمعروف، ففي أول لقاء جمعنا قابلني مبتسماً مبدياً تعاوناً وتفهماً كبيراً للمواقف والقرارات الفلسطينية. وكنّا نتوجه له عند احتياجنا لمساعدة في داخل المملكة أو خارجها، فالملك سلمان بن عبدالعزيز ترأس اللجنة السعودية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، التي كانت تقوم بجمع الأموال لصالح الشعب الفلسطيني، وبخاصة المحتاجون من الجرحى وعائلات الشهداء.
وعلى مدى العقود الماضية، كانت جميع قواعد البروتوكول والمراسم تُكسر حينما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فعلى خلاف باقي السفراء الآخرين العاملين في الرياض، كانت لقاءاتهم مع أمير الرياض تتم بالتنسيق مع وزارة الخارجية، أما لقاءات سفارة دولة فلسطين فكانت تتم بتنسيق مباشر بين الإمارة والسفارة.
أما القدس ومسجدها الأقصى، فكانت دوماً وجهة الملك سلمان بن عبدالعزيز، فلطالما استذكر ذهابه صغيراً (قبل 1967م) زائراً للأقصى، حيث أبدى في آخر لقاء جمعني به برغبته بالصلاة في المسجد الأقصى بعد التحرر.
وتحت رعاية أمير الرياض (الملك سلمان بن عبدالعزيز)، وبدعم من لجنة تطوير الرياض، بنيت سفارة دولة فلسطين ومرافقها في موقع مهم بمدينة الرياض، حيث افتتحت السفارة بمظهر احتفالي حضره الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1989م، لتصبح باباً مفتوحاً لحل مشاكل الفلسطينيين، بدعم أمير الرياض، والملوك والحكومات السعودية المتعاقبة.
لقد كانت إمارة الرياض تحت إمرة أميرها- آنذاك- سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من أبرز الداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني، ولم تزل، حيث شاركت في الحملة الشعبية لجمع تبرعات لدعم الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الثانية عام 2000م، وفي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر نهاية عام 2008م وأوائل 2009م.
وإبان الحصار الإسرائيلي لبيروت، كان الملك سلمان بن عبدالعزيز من أوائل من تحركوا من أجل تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، وهو موقف مشابه لموقفه أثناء حرب الخليج حين علت أصوات تطالب بعقاب الفلسطينيين، فوقف نداً قوياً متحدياً لهذه الأصوات، وأصدر قراراً بعدم المساس بالفلسطينيين، وبقي الفلسطينيون في المملكة يعيشون وسط إخوانهم السعوديين معززين مكرمين.
وبالحديث عن جهوده الدبلوماسية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني، كان الملك سلمان يطرح دوماً قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، فهي في قلبه وعقله، ويطالب زائريه (خاصة من الأجانب) بتغيير مواقفهم دعماً لإحقاق الحق من أجل استقلال الشعب الفلسطيني ونيل حريته.
إن الملك سلمان بن عبدالعزيز لم يتوانَ في دعم فلسطين وشعبها، أكانوا في فلسطين أم على أرض المملكة أو حتى في مخيمات اللجوء والشتات، فالذاكرة الفلسطينية تعبق بمواقفه السامية الداعمة للشعب الفلسطيني، آملين في عهده الميمون أن نصلي خلفه في المسجد الأقصى بعد التحرر بإذن الله.
جمال الشوبكي - سفير دولة فلسطين في مصر، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية