مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة التعامل معها نجد الفضاء الإلكتروني يعج بأنواع من الرسائل المختلفة باختلاف البشر واهتماماتهم وتوجهاتهم. وفي جلسة تأملية أجد أن هناك رسائل يُكتب لها الانتشار الواسع، وتأتيك من أكثر من مصدر، وتتداولها المجموعات هنا وهناك، بل أحياناً يتم تصدير فكرتها إلى بيئات مختلفة في دول غربية أو شرقية، ويحق لنا أن نسميها رسالة آفاقية. ووسائل أخرى تنتهي بمجرد وصولها إليك، فلا تجد نفسك راغبة في الضغط على زر إعادة إرسالها. وهنا ينقدح في الذهن تساؤل بسيط في مبناه حيث لا يتجاوز نصف سطر وهو: ما السبب في انتشار بعض الرسائل بهذه السرعة وعلى أوسع نطاق؟
رغم السهولة الظاهرية لهذا السؤال إلا أنه عميق ويحتاج إلى تفصيل عند الإجابة عنه، فالأسباب متعددة ومتنوعة، ويمكن أن أجتهد في تصنيفها إلى المحاور التالية:
1 - البنية التحتية.
2 - الرسالة.
3 - المرسل.
4 - المتلقي.
5 - أسباب أخرى.
أولاً: البنية التحتية
وأقصد بذلك توافر أجهزة نقل المعلومة في يد جميع طبقات المجتمع وسهولة إجراء كتابة الرسالة وإرسالها وإعادة تدويرها جعل الجميع يسهم في نقل المعلومة، ولا شك أن هذا سبب عام لجميع فئات الرسائل سواء التي تنتشر وتلك التي لم يكتب لها الانتشار، ولكنه مدخل ضروري لما بعده من أسباب، فاستخدام الأجهزة من قطاع عريض ينشئ بيئة ذات اهتمامات متنوعة ومتباينة سيجد فيها كل أناس مشربهم.
ثانياً: الرسالة
ويبدو أن هذا المحور هو أكبر محور في مضمون الإجابة عن التساؤل، وهو الجسم الذي يحوي في داخله المضمون، والذي يجب العناية به بكل احترافية لضمان تماسكه وتحقيقه للهدف المطلوب منه، ويمكن تصنيف خصائص الرسالة إلى ثلاثة محاور رئيسة:
أولاً: خصائص العرض:
فكل محتوى يتناسب معه أسلوب محدد من أساليب العرض، أو لنقل أنه الأسلوب الأكثر فاعلية، فبعض المحتوى يتناسب معه العرض المكتوب حيث الحاجة إلى التأمل وسهولة معاودة القراة لاستيعاب الفكرة، وبعضها الآخر يتناسب معها أسلوب العرض الصوتي حيث الأثر الكبير لإيقاعات الصوت وأثرها في تعزيز المعنى وتعميقه، وثالثة يتناسب معها العرض المرئي بالصوت والصور، ورابعة عبر المشهد الصامت، وخامسة عبر لقطات مصورة متسلسلة، وهكذا.
ثانياً: خصائص الفكرة:
المؤثر في الفكرة يختلف من شخص لآخر، ولكن يمكن تعداد بعض المؤثرات، فمنها أن تكون ذات عمق قد تحوي أكثر من رسالة معبرة في لقطة واحدة أو عبارة مقتضبة وهو ما يعبر عنها بالبلاغة المكتوبة أو المرئية، أيضاً قد تطرق الرسالة قضية مثيرة للجدل، وربما قد تحوي معلومة غير مألوفة.. إلخ.
ثالثاً: خصائص التوقيت:
عامل توقيت إرسال الرسالة من أكبر العوامل المؤثرة في انتشارها، فاختيار أوقات الذروة وهي أوقات تختلف من وسيلة إلى أخرى، ولكن يمكن اكتشافها ومعرفتها عبر رصد التدفق، كما أن توقيتها الموافق لمناسبتها يعد عاملاً مهماً كالتعيينات الملكية، أو تحري رؤية الهلال، أو موسم تقلبات جوية، أو موسم مباريات رياضية.. إلخ.
والرسائل متنوعة المحتوى، وأقصد بالتنوع أن الرسائل قد تحوي خبراً، موعظة، معلومة عامة، قضية مثيرة، طرائف، إلخ، ولكل محتوى خصائصه، ولعلي أسرد جملة من الخصائص التي قد تكون سبباً في انتشار الرسالة سرداً سريعاً من غير تصنيف أو ترتيب، ولكن ليبقى في الذهن أن كل خاصية من الخصائص التالية سينطبق على نوع معين من الرسائل وليس بالضرورة جميعها:
1 - مواكبة الحدث.
2 - الإبداع في العرض.
3 - بساطة العرض مضافاً إليه عمق الفكرة.
4 - قصر الرسالة أو المقطع.
5 - الصبغة العفوية.
6 - دغدغة العواطف بكلمات (انشر تؤجر، قد يستفيد منها مكروب، إلخ).
7 - الخاتمة المفاجئة حيث يتصور القارئ ختاماً معيناً بحسب السياق فيأتي الختام صادماً أو مفاجئاً.
8 - أن يمس المحتوى قضية جدلية تمس قطاعاً عريضاً من الناس وفي مضمونها تأييد لرأي معين أو حجة أو حل.. (الرسوم على الأراضي البيضاء، حجاب المرأة، الزوجة الثانية.. إلخ).
ثالثا: المُرسِل
المرسل هو صانع الحدث ولكنه ليس المتحكم فيه، وعليه سأعرض بعض الملامح المتعلقة بالمرسل والتي ربما يكون لها دور رئيس في انتشار رسالته، فهناك خصائص يجب أن يتحلى بها المرسل ربما تكون سبباً في انتشار الرسالة، وإذا لم يكن لها انتشار كانت له دثار من أبرزها:
1 - إرادة الخير، 2- الصدق، 3- الإخلاص.
وهناك أسباب أخرى تتعلق بأن يكون المرسل هو صاحب الرسالة، أعرض شيئاً منها:
1 - شهرة المرسل أو شعبيته كما يعبر عنها البعض.
2 - الكاريزما التي يتمتع بها إن كان هو معد المقطع مثلاً.
3 - إتقانه للغة الجسد.
رابعاً: المتلقي
المتلقي هو اللاعب الرئيس في انتشار الرسالة أو الحد من انتشارها، وقد عبر جل وعلا عن ذلك في قصة تناقل الإفك وانتشاره بقوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}، فصور التلقي باللسان كناية عن سرعة نقل الخبر للآخرين دون ترو وتمحيص، فلو دخل الخبر من مكانه الصحيح وهو الأذن لتم عرضه على العقل الذي يرفضه بمجرد عرضه على قاعدة معرفية سابقة تنقضه وتبطله.
وأذكر هنا بعضاً مما تيسر لي جمعه من الأسباب التي تجعل المتلقي يعيد إرسال الرسالة ويكون طرفاً في انتشارها:
1- الحالة المزاجية للمتلقي (المشاعر).
2- الرغبة في كسب السبق.
3- يرغب بأن يوصف بالفاعلية فيرسل كل ما يصله.
4- الرغبة في إيصال ما يتسم بالممنوع، فكل ممنوع مرغوب.
5 - طلب الأجر أو الشعور بالمسؤولية (خاص بالرسائل التوعوية).
خامساً: أسباب أخرى
وهناك أسباب أخرى قد لا تدخل في التصنيفات أعلاه وإن كانت تستفيد من الخصائص التي ذكرت، ويمكن الإشارة إليها بشكل مختصر:
1 - الحملات التجارية الترويجية المدفوعة الثمن.
2 - العمل الاستخباراتي لتوجيه الرأي العام.
3 - المنافسة التجارية بين الشركات أو التجار.
4 - الدوافع الحزبية أو الطائفية.
5 - طبيعة المجتمع المتدين له خصائص (الخرج من كتمان العلم، والشعور بالمسؤولية، والحرص على كل ما يتوقع حصول الأجر به.. إلخ).
6 - عدد كبير من المستخدمين للأجهزة وبشكل مفرط هم الصغار أو الشباب والنساء، وخصائص كلا الفئتين تدعم سرعة الانتشار.
ولأجل أن يتضح بشكل أكبر ما أردته من هذا المقال يحسن أن نضرب لذلك المثال، فمن الرسائل التي لاقت رواجاً في الوقت القريب مقطع عند تشغيله يظهر صورة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وتتحول بشكل فني بارع إلى صورة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- ليلاحظ المتلقي الشبه بينهما مع فارق بسيط في تجاعيد السنين.
هذا المقطع الذي لا يتجاوز خمس عشرة ثانية لاقى رواجاً كبيراً، ولذا لنجعله حالة نسرد من خلالها الخصائص التي اتسم بها هذا المقطع مما ذكرناه سابقاً:
1 - التوقيت ومواكبة الحدث وقربه من المتلقي، ونلاحظ ذلك في اجتماعاتنا حيث لا تخلو من حديث عن دور سموه سواء في عاصفة الحزم أو في التغييرات الجديدة لمسؤولي الدولة أو غيرها، فهو حديث الساعة.
2 - ما تحويه الفكرة من عمق، فالتشابه يمتد من ملامح الوجه إلى ما أتصف به المؤسس من حزم وعزم نلاحظه ونلمسه من سموه في كثير من الإجراءات أبرزها عاصفة الحزم.
3 - كان أسلوب العرض إبداعياً استخدم فيه صانعه إمكانات الحاسب الآلي.
4 - يتصف عرض المقطع بقصر المدة، فكثير من الناس لا تستهويه المقاطع الطويلة.
5 - الحالة المزاجية أو المشاعرية للمجتمع، حيث اكتسب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان قبولاً بسبب الإجراءات التي قام بها منذ توليه المنصب، كما يأملون منه المزيد من الخير تجاههم.
والآن أترك للقارئ الكريم أن يستحضر رسالة لاقت رواجاً ويطبق عليها الصفات المذكورة أعلاه، ليكتشف مزيداً من الخصائص التي ينبغي أن يراعيها عندما يعزم على صياغة رسالة يريد لها الانتشار على أوسع نطاق.