(1)
كل من في البيت نائم.. وحده الظلام السيّد اليقظ الوحيد.. أشباحه السوداء تلاحقني.. تتعلق على الجدران.. تتدلى من مصباح إنارة السقف المحترق والنور المتسلل من النافذة التي تلتصق بها بصمات تلك الأيدي الطويلة.. ينعكس على البلاطات الباردة بصمت و وجوم..
تركت الباب خلفي موارباً، تركت تلك العيون التي تتلصص من كل زوايا البيت وتسترق النظر.. تركت أشباح الظلام.. وانعكاس النور الغريب.. تركت النوم للنيام.. وأخذت أحلامي معي في جيوب المعطف الصوفي.
(2)
مازالت الطوبة الحمراء قابعة في مكانها.. ثقيلة بما يكفي لكي لا تزحزحها رياح الليلة الماضية.. صلبة بما يكفي لكي لا يذيبها المطر الموسمي الغاضب.. لكي لا تأنّ من برد الشتاء الذي يعتزم الرحيل.. الشتاء الذي قرر منذ البدء أن يُفسد كل شيء.. وأن يترك خلفه قنينة عطر مكسور.. أوراق ممزقة.. وأعقاب سجائر.
كان منظرها ساكن ٌ كسيّدة عجوز أطرقت برأسها فنامت.. دافئة تحتضن كثيراًً من الذكريات في تجاويفها المتشققة.. وددتُ لو أقبلها... و لكنها مُجردّ قطعة «طوب».. «طوبة».. يغريني المسير إليها.. ووقع طرقات القدم.. كان ما يشدّني أكثر..كان ما يذكرني بزائر الليل الحزين.
(3)
«ولكي تغتال الحزن.. أشعلها وأنفثُ ظلام الليل من صدرك»
(4)
معطف والدي.. رمادي له رائحة الدخان، يحظى بعلاقة حميمية وطيبة مع الذكريات الدخانية.. أخرجت الولّاعة.. فتحوّلتُ إلى مِدخنة ..!
كنت اسحب أنفاساً عميقة «أحرقتني».. و لكنني شعرت لوهلة بأني على قيّد الحياة..كان الدخان ينبعث ويرقص بغواية تستحضر وجهه.. رائحته.. وآخر خاطرة.. آخر أغنية كنا قد غنيّناها معاً..
- حنان الحربش