دخل الأتراك الإسلام طوعاً واختياراً فأعزوه ونصروه وأعلوا من شأنه وأحبوه وأخلصوا له فأحبهم المسلمون وولوهم أمرهم في نهاية الأمر لعدة قرون.
أما الفرس فدخلوا الإسلام كرهاً فلم يعزوه ولم ينصروه بل على العكس بذلوا قصارى جهدهم لهدمه من داخله عندما عجزوا عن هزيمته عسكرياً عقب انهيار الإمبراطورية الفارسية على يد العرب المسلمين في صدر الإسلام ومازال هذا أي محاولة الهدم والتخريب قائمة إلى يومنا هذا وسوف تستمر إن لم تتوحد جهود العرب المسلمين للقضاء على أحلام الفرس التوسعية الحاقدة ونحسب أن عاصفة الحزم المباركة هي بداية لهذا التوحد وبداية لاستشعار الخطر الفارسي الوجودي على العرب المسلمين.
إن ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو أنني كنت في تركيا وفي اسطنبول تحديداً وأقيم في فندق مقابل لساحة تقسيم الشهيرة، وقد صادفت إقامتي هناك يوم الأول من مايو وهو يوم العمال العالمي، وحقيقةً أذهلني ما رأيت من حريةٍ في التظاهر بالرغم من بعض الشوائب التي لا تخلو منها أي مظاهرة في العالم المتحضر كما حصل في نفس اليوم في إيطاليا وإسبانيا أيضاً بمناسبة يوم العمال العالمي وعلى الفور قفزت إلى رأسي مشاهد القمع والقتل للشعوب الإيرانية عندما خرجت إلى الشوارع عقب التزوير الفاضح لانتخابات عام 2009 وكذلك الأجواء الثورية والبوليسية القمعية داخل إيران حيث التخلف في جميع المجالات ماعدا المجال العسكري منذ بداية هذه الثورة التي كانت شؤماً على الشعوب الإيرانية والشعوب العربية ولم تجلب لهم ولنا إلا المزيد من الخراب والدمار والحرائق الطائفية، بعكس تركيا التي أدهشتني فيما رأيته من تقدم في كل مناحي الحياة (حيث إنني قد زرت تركيا قبل ثلاثين عاماً) الاقتصادية والسياسية والعلمية ومستوى الحريات الفردية والجماعية للأقليات والأديان وهذا هو الوجه الحقيقي المشرق للإسلام بالرغم من اختلافنا مع بعض التوجهات التركية لدعم بعض الجماعات الإسلامية داخل الوطن العربي كما هو الحال في مصر وليبيا لكن هذا لا يغير من رأينا في مساهمة الأتراك الواضحة في العمل على نصرة الإسلام والمسلمين، حتى وإن كان هناك اتهامات للسيد أردوغان الآن بمحاولة إحياء الإمبراطورية العثمانية وهذا اتهام لا يخلو من وجاهة لكنه يفتقر إلى أدلة قوية وواضحة أقوى من قضية دعم الأتراك لجماعات الإخوان المسلمين في العالم العربي، إلا أن تركيا في كل الظروف تظل كما كانت في سابق عهدها أيام الخلافة العثمانية القوية (قبل أن تضعف) دعامة من دعائم الإسلام القوية فدور تركيا في حماية ونصرة وتقوية الإسلام لا يمكن إنكاره ولا يمكن إنكار دورها في نشر الإسلام والدفاع عنه في وجه كل أعدائه وعلى رأسهم الفرس.
إن هذا الدور التركي المشرق والمشّرِف هو بعكس الدور الفارسي الذي كان ولا يزال من أهم معاول هدم الإسلام، والحاضر والماضي البعيد والقريب خير شاهد على هذا. ويكفينا للاستدلال على ادعائنا أن نذكر حادثتين من الماضي القريب ناهيك عما نراه الآن أمام أعيننا ليل نهار من تخريب وتدمير فارسي في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان وكل مكان يستطيع الفرس الوصول إليه، أما الحادثة الأولى فهي عندما كانت الجيوش الإسلامية العثمانية تحاصر فيينا وكانت فيينا على وشك السقوط قامت الدولة الصفوية الفارسية بطعن الدولة العثمانية من الخلف مما اضطر الخليفة العثماني لإيقاف حصار فيينا والتراجع جنوباً لتأديب الأعداء الفرس في المعركة الشهيرة بين الصفويين والعثمانيين والتي وقعت قريبة من تبريز شمال إيران وهكذا ساهم الفرس في تغيير مجرى التاريخ الإسلامي الذي كان لا محالة سيكون مختلفاً لو تم فتح فيينا، أما الحادثة الثانية فهي عندما كانت الجيوش البرتغالية تغزو الجزيرة العربية وكانت الدولة العثمانية تدافع عن الجزيرة العربية في وجه هذا الغزو البرتغالي أيضاً تآمر الفرس مع البرتغاليين ضد المسلمين وكانت لديهم خطط لغزو الجزيرة العربية واحتلال الأماكن المقدسة فيها لكن هذا التآمر لم يكتمل لحسن الحظ.
فانظر أيها القارئ الكريم وقارن بين الدور التركي المعز والمدافع والناصر للإسلام وأهله والدور الفارسي المتآمر على الإسلام وأهله والذي لم يتوقف يوماً عن محاولات هدم هذا الدين وتشويهه والعبث به، لا بل إن الأتراك لعبوا دوراً حاسماً في الوقوف في وجه الأطماع والأحقاد الفارسية طوال خمسة قرون، ولم يساهم الفرس منذ دخولهم القسري في الإسلام إلا في خلق النفاق والشقاق والفتن الطائفية ومحاولة تحريف هذا الدين بل وتحريف القرآن نفسه واختلاق وافتراء أحاديث ينسبونها لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم أجمعين وهم منها براء وهذه الأحاديث المنسوبة لآل البيت الأطهار تثير السخرية من شدة تهافتها وكذبها لا بل حاول الفرس اختراع دين مسخ هو عبارة عن خليط من الطقوس المسيحية والبوذية وحاولوا اختطاف التشيع العلوي الكوفي وجعل قم مرجعية للتشيع بدلاً من النجف، ومن أراد الاستزادة فليراجع تاريخ بعثات إسماعيل الصفوي إلى أوربا واستعانته ببعض مراجع الشيعة في جبل عامل حيث كانت المرجعية الدينية الشيعية منفصلة تماماً عن المرجعية السياسية حتى أتى إسماعيل الصفوي وجمع بين المرجعيتين في شخصه لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها المهم أنه جمع بين المرجعيتين مستعيناً على ذلك بأحد علماء الشيعة الكبار من جبل عامل في لبنان لتخريج وتبرير هذا الجمع بين المرجعيتين وبعدها شرع إسماعيل الصفوي في تشييع إيران بالقوة والبطش والقتل ثم أرسل الوفود الدينية إلى أوربا الوسطى لدراسة الطقوس المسيحية بعد صلب المسيح عليه السلام فاقتبس الكثير منها وأسقطها على المذهب الشيعي الكوفي العلوي وهكذا تم اختطاف هذا المذهب وتفريسه، هذه نبذة قصيرة لمعرفة كيف اختطف الصفويون التشيع العربي العلوي الكوفي وألبسوه لباساً فارسياً فأنتجوا ديناً مسخاً لا يشبه لا التشيع الأصلي ولا حتى الإسلام برمته.
هذا هو دور الفرس الحاقد والكاره للإسلام وأهله العرب مقابل الدور التركي.
وقد يكون لكل هذا أسباب وجيهة ومنطقية من وجهة نظر الفرس حيث إنهم دخلوا الإسلام كرها كما قلنا سابقاً بعكس الترك الذين دخلوه طوعاً لكن هذا لا يمكن أن يلغي العنصرية الفارسية تجاه العرب تحديداً والتي هي صفة متأصلة لدى الفرس بعكس كل الشعوب الأخرى التي وصلها الإسلام حرباً أو سلماً، وقد يقول قائل لكن الفرس لديهم أسبابهم الوجيهة لهذا الحقد والكره حيث إن الإسلام هو الذي هدم وأزال إمبراطوريتهم لكنني أقول لكل هؤلاء أن كره الفرس واحتقارهم للعرب سابق للإسلام وعندما وصل الفتح الإسلامي إلى بلاد فارس عمل فقط على مضاعفة هذا الكره والاحتقار الذي هو موجود أصلاً وحوله إلى حقد لازال إلى اليوم يحرك السياسة الفارسية تجاه العرب.
لم أكتب هذه المقالة تحاملاً ولا كرهاً ولا تحريضاً على الفرس وخصوصاً عامتهم إنما أردت فقط وضع الأمور في سياقها الصحيح محاولاً فهم وتفسير ما يجري الآن من فتن طائفية وعمليات إبادة جماعية للعرب السنة على أيدي الفرس وعملائهم الذين سوف يأتي دورهم على أيدي الفرس إن استطاعوا تحقيق أحلامهم الإمبراطورية حيث إن هذا هو ديدن الفرس مع هذا الإسلام وأهله العرب منذ القادسية الأولى بل كما أسلفنا منذ ما قبل الإسلام.
إنني أحاول فقط أن أقارن بين تأثير الفرس السياسي والديني السلبي والهدام والحاقد والتخريبي والفتنوي في الإسلام وأهله وبين تاريخ الترك الإيجابي والمشرق والبناء والمقوي والمعز للإسلام وأهله بالرغم من احتلالهم الوطن العربي لعدة قرون.
والحكم في نهاية الأمر لك أيها القارئ الكريم.