الجزيرة - محمد السلامة:
أكد وزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف أن الوضع المالي للمملكة قوي جداً على الرغم من تراجع أسعار النفط منذ العام الماضي. لافتاً النظر إلى أن الميزانية العامة للعام المالي الحالي استمرت في تركيزها على برامج التنمية ذات الأولوية، بما يسهم في الاستمرار في تحفيز نشاط القطاع الخاص خارج القطاع النفطي ورفع معدلات النمو والتشغيل. وأضاف: لا شك أن المملكة كما هو الحال في الدول المعتمدة على الإيرادات النفطية ستواجه بعض التحديات خلال الفترة القادمة؛ ما يتطلب إجراءات احترازية واستباقية، ومواصلة برامج الإصلاح والتنويع الاقتصادي، وتوسيع قاعدة الإيرادات العامة، وترشيد الإنفاق العام، وتعزيز كفاءته وفاعليته.
جاء ذلك خلال كلمته الافتتاحية لمؤتمر يوروموني السعودية 2015، الذي انطلقت أعماله أمس في الرياض في نسخته العاشرة، والذي تنظمه وزارة المالية بعنوان «الفرص والأسواق المالية»، ويتناول الفرص الاستثمارية والتجارية الحقيقية التي أوجدتها الاستراتيجية الاقتصادية للمملكة، بمشاركة قادة قطاع المال العالمي وعدد من الشخصيات العالمية في قطاع المال. وكشف وزير المالية عن أن عدد عقود المشاريع الحكومية التي طرحت خلال عام 2014، بما فيها المشاريع الممولة من فوائض إيرادات الميزانيات السابقة، بلغ 2572 عقداً، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 49 مليار دولار. موضحاً أن ميزانية الدولة لعام 2015 جاءت لتؤكد الارتباط الوثيق بين توجهات الإنفاق العام وأهداف وأولويات خطة التنمية، مع العمل على تفادي التأثيرات السلبية الكبيرة لتقلبات أسعار النفط. وقد ساعد في ذلك - بفضل الله - الجهود الكبيرة التي بُذلت خلال الأعوام الماضية لتقوية وضع المالية العامة، وتعزيز الملاءة المالية بخفض الدين العام.
وأكد العساف أن المملكة تشهد تطورات في غاية الأهمية على المستويين السياسي والاقتصادي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، وكان آخرها مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد. منوهاً بالقرارات التنظيمية في المجالين الاقتصادي والسياسي والأمني، المتمثلة في تركيز القرارات في مجلسين رئيسيين، هما مجلسي الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بوصفهما بديلين عن الكثير من المجالس واللجان. ورأى أن من شأن ذلك أن يُمَكّن من الإسراع في اتخاذ القرار، معرباً عن أمله بأن يضيف المزيد من سهولة أداء الأعمال لتعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار.
وأوضح العساف أن الاقتصاد العالمي استمر في التعافي خلال العام الماضي، وإن كان النمو ما زال متوسطاً ومتبايناً بين الدول والأقاليم المختلفة. مشيراً إلى أن الجانب الآخر استمر فيه التباطؤ في معدلات نمو الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الصين، فضلاً عن تأثر عدد من الاقتصادات الناشئة الرئيسة الأخرى بتراجع أسعار السلع الأولية. مبيناً أنه بالرغم من ذلك فقد أسهمت مجموعة الاقتصادات النامية والناشئة بنحو ثلاثة أرباع نمو الاقتصاد العالمي عام 2014. وعلى المستوى الإقليمي أبان أنه بالرغم من التحسن النسبي في معدل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2014، بالمقارنة بالعام الذي سبقه، إلا أن معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة ما زالت ضعيفة متأثرة بالتطورات الأمنية والسياسية في عدد من المناطق، في حين أن انخفاض أسعار النفط يمثل تحدياً للدول المصدرة له، ومن بينها المملكة. وقال العساف: يواجه آفاق الاقتصاد العالمي عدداً من المخاطر التي تتضمن التوترات السياسية والاضطرابات الأمنية ومخاطر الركود، وزيادة حدة التقلبات في أسواق المال الدولية نتيجة لحدوث تحول في تقييم المتعاملين في الأسواق لمخاطر الاستثمار في الأصول المالية، خاصة إذا ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على نحو أسرع، وبدرجة أكبر من المتوقع، مع إعادة السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي في ظل تعافي معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي. كما أعرب عن تفاؤله ببدء الاقتصاد العالمي الخروج من الوضع الحالي المُتّسم بالنمو المنخفض ومخاطر الانكماش الحاد، مشيراً إلى أن المؤشرات من أوروبا واليابان بالذات متفائلة إلا أنه لا يتوقع عودة قريبة لمستويات النمو العام التي كانت بالعقد الماضي.
واستعرض وزير المالية بعض التطورات الاقتصادية والمالية على المستوى المحلي؛ إذ شهد الاقتصاد السعودي معدلات نمو قوية خلال السنوات الخمس الأخيرة، بلغت نحو 5 % في المتوسط سنوياً. لافتاً النظر إلى أن هذا النمو جاء على خلفية التوسع المستمر في الأنشطة الاقتصادية في القطاعات غير النفطية بمعدلات نمو سنوية، فاقت 5 %؛ ما أسهم في تعويض أثر التقلبات في معدلات نمو القطاع النفطي على أداء الاقتصاد الكلي. كما أشار إلى جهود الدولة المستمرة لتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وتوفير البيئة المناسبة للاستثمارات الخاصة التي أثمرت في تحقيق معدلات نمو لناتج القطاع الخاص في القطاعات غير النفطية، تراوحت بين 6 % و8 % خلال السنوات الخمس الماضية؛ ليصل نصيب ناتج القطاع الخاص إلى نحو 70 % من ناتج القطاعات غير النفطية التي تشكل نحو 56.5 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2014. مشيراً إلى أن العوامل التي ساعدت على هذا النمو الفرص المتاحة التي صاحبت الإنفاق الحكومي على مشاريع وبرامج التنمية والبنية الأساسية.
وحول القطاع المالي أوضح وزير المالية أن المملكة تواصل بشكل عام تعزيز القطاع، وأن القطاع المصرفي استمر في نموه، وواصلت مؤسسة النقد العربي السعودي جهودها لتعزيز متانته، كما تواصل هيئة السوق المالية العمل في تطوير وتعميق السوق المالية؛ إذ تم مؤخراً الموافقة على فتح المجال للمؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة، وكذلك تشجيع طرح السندات والصكوك بجانب الأسهم لتنويع أدوات الاستثمار وفرص التمويل. معرباً عن تفاؤله بمستقبل سوق الصكوك والسندات بالمملكة؛ ما سيفتح آفاقاً جيدة لمنشآت القطاع الخاص لتمويل مشاريعها وتوسعاتها في ظل توافر السيولة بالسوق المحلي، وتزايد إقبال المستثمرين.