في مشهد جاوز الحد في التجرد من الإنسانية قررت ميليشيات الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح أن تترك اليمن لأهله كومة من الخرائب، فعمدوا إلى هدم نحو 95% من البنية التحتية المتهالكة أصلاً في اليمن بعد 33 عاماً من الإهمال شهدها اليمن في عهد المخلوع، جردته من السعادة التي أصبحت اسماً على غير مسمى في الوعي الجميع لشعب آن له أن يحصل على حقوقه الضائعة، وأن يستفيد بعوائد تنمية حقيقية في بلاده.
صنّف البنك الدولي معدّل البطالة في اليمن «الأعلى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، متوقعاً أن «يبقى عند مستوى مرتفع خصوصاً بين الشباب مع تفشي الفقر وسوء التغذية». وأفاد الموجز الاقتصادي ربع السنوي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر عن البنك الدولي، بأن هذا المعدّل «بلغ 17 في المئة عام 2010، وكانت النسبة بين النساء تزيد على 54 في المئة وبين الرجال 12 في المئة، وظل مرتفعاً بين الشباب بالغاً 60 في المئة»، مقدّراً تسجيل هذه الزيادة بعد احتجاجات عام 2011».
وأشار إلى أن أعلى معدّل للفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «سُجّل أيضاً في اليمن، إذ إن نسبة الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد يومياً، آخذة في الزيادة منذ العام 1998 من نحو 13 في المئة إلى 17 في المئة عام 2010. وكان نحو نصف السكان يعيشون على أقل من دولارين للفرد يومياً عام 2010».
فساد
وتؤكِّد الدراسات أن الفقر في اليمن لم يكن ناتجاً عن ندرة الموارد الاقتصادية الطبيعية فاليمن يمتلك موارد اقتصادية كبيرة في مختلف المجالات الاقتصادية الطبيعية، المعدنية والنفطية والزراعية والسمكية، إلى جانب موقعها الإستراتيجي المهم ووجود موارد بشرية إذا تم استغلالها سوف تسهم في تنمية المجتمع اليمني اقتصادياً وثقافيا والانتقال بالاقتصاد الوطني إلى مصاف الدول الغنية، ولكن سوء استغلال تلك الموارد الاقتصادية في ظل إدارة اقتصادية تقليدية ومتخلفة، والتوزيع غير العادل للثروة بين السكان، والاستيلاء على عائداتها من قبل فئات صغيرة، وحرمان الجزء الأكبر من خيرات البلد. فقد كان ذلك سببا في تخلف الاقتصاد اليمني وانتشار الفقر والتخلف بين السكان.
ويعد الفساد في اليمن السرطان الذي ينخر في جسده ويأتي بالويلات، حيث يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي، ويعمل على تقويض أي نمو اقتصادي أو تحسين للمستوى المعيشي للسكان بفعل الحماية التي يتمتع بهآ، في ظل غياب المحاسبة والقوانين التي تحمي الحقوق العامة والخاصة، واستغلالها للمصلحة الخاصة، ونتيجة لبروز مشكلة الفساد كجزء من إستراتيجية الإدارة الاقتصادية والسياسية للنظام السابق، فقد أضر ذلك بالاقتصاد الوطني العام والخاص، ونتج عنه انتشار الفقر والحرمان والبطالة بين السكان بسبب استخدام كافة الوسائل الاقتصادية والإدارية المملوكة للدولة في تحقيق أهداف خاصة لجماعات الفساد، والذي يعتبر أحد نتائج التزاوج بين السلطة والثروة، وتحويل المكاسب العامة لخدمة المكاسب التجارية الخاصة. وفاقم من وضع السواد الأعظم من اليمنيين في وجود الفساد المستشري في بالدهم من قبل فئة محدودة نافذة إلغاء الدولة للدعم الذي كانت تقدمه للمواد الأساسية، وجعلها خاضعة لاحتكار السوق، فضلاً عن ذلك تخلي الدولة عن مهامها الاجتماعية في مجالات التعليم والتطبيب، قد ضاعف الأعباء الاقتصادية على الأفراد والأسر محدودة الدخل وتسخير جزء من دخلهم لخدمة المتطلبات الأساسية الأخرى على حساب الجوانب الضرورية للعيش وهذا زاد من حجم معاناة الأسرة اليمنية محدودة الدخل.
اقتصاد مدمَّر
أشار تقرير حديث لمعهد كارنيجي للسلام الدولي يعود لعام 2012، إلى أن مشاكل اليمن الاقتصادية ليست ناجمة عن نقص مطلق في الموارد، «بل هي حصيلة السياسات اليمنية المثيرة للجدل والمُفتقرة إلى التنمية المؤسسية».
وأضاف التقرير الذي أعده الخبير في شؤون اليمن والأستاذ بجامعة تاوسن تشارلز شميتس، أن الاقتصاد اليمني غالباً ما ترسم له صورة «تغشاها الكوارث الوشيكة»، «حيث ينضب النفط وحتى الماء في البلاد والأخير أكثر تدميراً».
وفي حين لم يقلِّل التقرير من مشاكل اليمن الاقتصادية، محتملاً إمكانية إصلاح أي نقص في الموارد، أوضح أن السياسات التي وصفها بـ»المفتقرة للتنمية المؤسسية»، تشكّل العقبة الرئيسة في طريق حلحلة الصعوبات الاقتصادية في الوقت الراهن.
واعتبر التقرير «إهمال مؤسسات البلاد وبنيتها الأساسية طويلاً» من أسباب التدهور الاقتصادي، إضافة إلى استنزاف موارد المياه واستخدامها بطريقة لا تتسم بالكفاءة في القطاع الزراعي، «حيث لا توجد لدى الحكومة وسائل لجمع الضرائب، ولا يجري استخدام العمالة على نحوٍ سويّ في الداخل».
وأوضح التقرير أن الدولة في اليمن تنفق عائدات النفط لتغطية النفقات الجارية، ولم تعزِّز «النمو على المدى الطويل في القطاعات الأخرى»، وأنها (الدولة) «غير قادرة على إدارة مواردها الطبيعية بشكل كاف لأنها تفتقر إلى البنية الأساسية السوية»، معتبراً ذلك، إحدى نتائج إستراتيجية صالح السياسية».
وأضاف التقرير أن نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح «منع التنمية المؤسسية عمداً بهدف الإبقاء على سلطته»، وأن المؤسسات الاقتصادية اليمنية صارت ضعيفة لدرجة أن رجال الأعمال اليمنيين، أصبحوا «يتعمدون شخصياً على عطايا الرئيس (السابق). وتابع: «ربما كانت هذه الإستراتيجية فعالة في الإبقاء على حكم الرئيس صالح لفترة طويلة من الزمن، لكن ذلك تم على حساب بناء الأسس الصحيحة لاقتصاد المستقبل».
سياحة مهملة
وكشفت دراسة تعود إلى عهد المخلوع علي عبدالله صالح (عام2010) أن القطاع السياحي باليمن تكبد خسائر فادحة خلال السنوات الأخيرة من حكمه أسفرت عن شطب مئات آلاف الوظائف وإفلاس العشرات من وكالات السفر.
وبحسب الدراسة التي أعدها أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة عدن يوسف سعيد فإن القطاع السياحي خسر حوالي عشرة مليارات دولار خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم النظام السابق، وهو ما أدى لفقدان سبعمائة ألف وظيفة وتراجع المداخيل السنوية للقطاع الفندقي ومؤسسات النقل إلى 50%.
وأشار سعيد في دراسته إلى أن المنشآت السياحية تتأثر بنسبة 30% عقب تنفيذ كل عملية مسلحة، وهو ما أدى إلى الاستغناء عن 60% من العاملين في قطاع الخدمات السياحية.
واتهم محلِّلون اقتصاديون الحكومة بالفشل في تحقيق معدلات إيجابية خلال الخطة التنموية الثانية للنهوض بالسياحة اليمنية الراكدة منذ عقد من الزمن وهو ما نفته مصادر رسمية مطلعة، واصفين سياسة الحكومة تجاه المستثمرين في القطاع السياحي ووصفها بالطاردة. ورجحوا محللون سياسيون غياب دور الحكومة في النهوض بالسياسة الترويجية، مؤكدا أنها محصورة في الخطاب الإعلامي.
وضع صحي مزرٍ
ويقف وادي حضرموت شاهداً على واحدة من الكوارث الصحية التي عمت أرض اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ وصلت نسب العجز في القطاع الصحي إلى أرقام تجعلك تقف حائرا أمامها وتتساءل كيف استطاع القطاع الصحي بالوادي الصمود إلى الآن فمثلا نسبة العجز بالكادر التخصصي تصل إلى 51% أما نسبة العجز بالصيادلة تصل إلى 46% وأطباء العموم 21% ليصل إجمالي العجز العام في الكادر الصحي بوادي حضرموت 44% - حسب إحصاءات مكتب الصحة بالوادي-.
أما بالنسبة للبنى التحتية في القطاع الصحي. فوفق الإحصاءات المقدمة من مكتب الصحة بالوادي فإن هناك 47 وحدة صحية تحتاج إلى إعادة تجهيز من أصل 133 و3 مستشفيات مديرية تحتاج إلى إعادة تجهيز من أصل 4 ليصل عدد المنشآت الصحية بوادي حضرموت والتي تحتاج إعادة تجهيز 69 من أصل 194 منشأة.
كما كشفت الدراسات عن أن جزءاً كبيراً من سكان اليمن لا يهتمون بالصحة، ولا يراجعون الأطباء حتى في حالة المرض، ويعود ذلك إلى حالة الفقر التي تعيشها الأسر، مما يجعلها تفضّل ترك المريض يغالب المرض تحت رحمة القدر حتى يشفى أو يموت، لعدم قدرتها على دفع مصاريف التطبيب . نتيجة لغياب التطبيب المجاني في مؤسسات الدولة الصحية، وأصبح ذلك عاملاً في انتشار الكثير من الأمراض السارية بين السكان، نتيجة لغياب دور المؤسسات الصحية في محاربة تلك الأمراض، وعجز الأسر عن الإنفاق على الصحة من الدخل الذي تحصل عليه، كما أن البعض من الأسر لا تنفق على الصحة إلا في الحالات القصوى، وعلى حساب الضروريات بسبب حالة الفقر التي تعيشها تلك الأسر.
التعليم.. أرقام صادمة
نحو خمسة ملايين طالب يمني يواجهون اختلالات مختلفة، منها نقص المعلمين والمدارس وغياب التأهيل للعاملين بهذا الحقل وارتفاع نسبة الأمية إلى 46%.
فيما كشفت وزارة التعليم عن صورة قاتمة لواقع التعليم الذي يوجد فيه 63% من المعلمين مؤهلاتهم دون الجامعة، وكذا هو حال الإدارة المدرسية بنسبة 67%، فضلاً عن وجود ثلاثمائة مدير مدرسة يقرؤون ويكتبون فقط، ومليوني طالب خارج المدرسة، و14 ألف مدرسة من أصل 17 ألف تحتاج إلى إعادة تأهيل و98% لا توجد فيها حواسيب، و90% لا توجد بها معامل علوم ورياضيات، و30% لا تحوي غرفا للإدارة المدرسية والمعلمين ولا أسوارا، و60% من دون مكتبات مدرسية.
ويكمن الخطر الأسوأ والخلل الأكبر في وجود 661 مدرسة يدرس بها ثلاثمائة ألف طالب في العشش والصفيح وتحت الأشجار.
وردت وزارة التعليم أسباب هذا الواقع المأساوي للتعليم في اليمن إلى أن المدارس في عهد نظام المخلوع كانت تنشأ دون دراسات تراعي الكثافة السكانية وتجميد نشاط إدارة الخارطة المدرسية وعدم وجود سياسية تعليمية.