رقية الهويريني
أسهب كثيرٌ من المختصين في علوم البيئة والمناخ والفلك والأرصاد - وحتى علوم الفضاء - في تفسير موجات الغبار المتكررة التي تضرب أجواء الجزيرة العربية في فترات متقاربة لدرجة تسببها بمشاكل صحية وحوادث مرورية. فمنهم من قسّم الحالة الغبارية إلى محلية تنتقل من منطقة إلى منطقة، ومستوردة من خارج الجزيرة العربية تأتي عبر الرياح الشمالية من روسيا وجبال التبت في الصين وزاجروس في إيران، وكذلك من صحراء الشام، وتتسم تلك العواصف الغبارية بلونها الأبيض كالدقيق، أو مظلمة مشوبة بحمرة. وغالباً تكون جزيئات الغبار عالقة مع حرارة الشمس وإذا غربت يتساقط على الأرض!
وقد يكون هذا التقسيم منافياً للواقع، حيث إن روسيا المتهمة بتصدير الغبار، وكذلك جبال التبت في الصين مروراً بإيران، وجر بلاد الشام معهم، لا يوجد بها غبار أصلاً ولا يحوم حول تلك الدول أبداً، فكيف ترسله لبلادنا؟!
وقد يعتقد الكثير ألا حلول جذرية لموجات الغبار، باعتبار أنه ظاهرة كونية خارجة عن إرادة البشر، وخاضعة لطبيعة الأرض والمناخ الذي أوجده الله في منطقتنا العربية، ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح، فلم نكن نعاني منذ عدة سنوات من شدة الغبار بهذا الشكل المخيف الذي يستدعي التوقف عن الدراسة وينتج عنه مآسٍ عديدة صحية وبيئية وغيرها.
والحق أن ظهور موجات الغبار بدأت منذ توقفت المملكة عن الزراعة وبالذات زراعة القمح والبرسيم وبقية المنتجات الأخرى بحجة ندرة المياه. وبقياس الفترة الزمنية يتبين لنا سر تتالي الغبار على بلادنا، وتبعها قلة نزول الأمطار أيضاً، فالمطر يعشق الأرض الخضراء، ويحنو عليها، والغطاء النباتي على الأرض يعمل كالمغناطيس لجذب المطر. وأذكر في هذا الشأن نصيحة رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد أثناء مؤتمر المياه الذي عقد بالمملكة قبل سنوات، حيث قال: (إذا أردتم نزول المطر؛ فشجروا بلدكم). ومن الحلول العملية لندرة المياه: معالجة مياه الصرف الصحي التي تهدر دون استفادة منها وتتسبب بتلوث البيئة، بالإضافة إلى ضرورة الاحتفاظ بمياه الأمطار الموسمية عبر أنابيب أو سدود، وكذلك تحلية مياه البحر عبر الطاقة الشمسية لغرض الزراعة، وبالتالي تشجير جميع مناطق المملكة وتحويلها لغابة ذات منظر جمالي خلاَّب تحجز الغبار وتقضي على التلوث، فضلاً عن فوائد التشجير الأخرى كتلطيف الجو وخفض درجة الحرارة، وتقليل استهلاك الطاقة، وامتصاص سموم كربون السيارات، وحماية الحياة الفطرية، والحفاظ على صحة الناس.