ما من إنسان مثقف في العالم خاصة في الدول العربية والإسلامية أو الغربية والشرقية يجهل من هو سعود الفيصل، هذا الأمير ابن الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي نصب ملكاً على المملكة العربية السعودية في تاريخ 27 جمادى الآخرة 1384هـ الموافق 2 نوفمبر 1964بعد الملك سعود بن عبد العزيز -رحمة الله عليهم-.
أحد أبنائه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل آل سعود.. تربى سموه في كنف والده واستقى منه الحكمة والحنكة السياسية والجرأة والشجاعة والاقتداء بمواقفه البطولية الموروثة من والده البطل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمة الله عليه- وأورثها لأبنائه البررة المخلصين من بعده.. نسأل الله أن يطيل في أعمار من هم على قيد الحياة (وندعو الله أن يتغمد برحمته من توفي منهم ويسكنهم فسيح جناته لما بذلوه من جهود جبارة في خدمة الحرمين الشريفين والمملكة العربية السعودية وشعبها والعالم الإسلامي والعربي) ومنهم الملك فيصل الذي ألجم بحنكته وبحكمة سياسته رؤساء وحكام دول العالم الكبرى في حينه.. عندما تعرضت دول العالم العربي لأزمات سياسية تهدد أمنهم واستقلالهم.
هذا ولم يمارس سموه عمله السياسي الخارجي فقط عند ما تولى زمام الأمور في وزارة الخارجية كوزير.. بل كان والده الملك فيصل في حياته قبل ذلك يعتمد على سموه وهو في ريعان شبابه في العلاقات السياسية الخارجية ويوفده في مهام صعبة لبعض الدول الغربية الكبرى في ذلك الوقت، وليس هنا في صدد ذكر سيرته الذاتية العطرة الغنية عن التعريف وليس هناك متسع في صفحات الجريدة لذكر مآثره وخبراته وخدماته ومواقفه الجليلة في عهد والده وبعد وفاته -يرحمه الله- التي لا يجهلها كثر من المثقفين في العالم.
ما نود ذكره باختصار أن سموه حصل على شهادة البكالوريوس بالاقتصاد عام 1963م من الولايات المتحدة الأمريكية، وتقلد مناصب هامة عدة في الدولة قبل توليه زمام الأمور في وزارة الخارجية..
حيث بعد وفاة والده الملك فيصل -رحمة الله عليه- صدر مرسوم ملكي بتعينه وزيراً للخارجية في عام 1975م ومنذ هذا التاريخ طيلة 40 عاماً ما زال سموه خير من مثل ملوك آل سعود المتعاقبين بالحكم بعد والده -رحمة الله عليهم- في شؤون الأمور الخارجية لحكومة المملكة العربية السعودية.. حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أطال الله بقائه..
هذا وفي العاشر من شهر رجب 1436هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بإعفاء الأمير سعود الفيصل من منصبه بناء على طلبه نظراً لظروفه الصحية الصعبة التي مر ويمر بها سموه، وتعيينه وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء، ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، ومشرفاً على الشؤون الخارجية.. طبعاً هذا الإجراء تقديراً لخبرات سموه زهاء فترة 40 عاماً في خدمة وطنه وملوك المملكة المتعاقبين في مجريات الأمور السياسية الخارجية لبلاده وفي خدمة قضايا الأمة الإسلامية والعربية، ومما تجدر الإشارة إليه عندما تولى زمام الأمور في وزارة الخارجية برز سموه بمهارة فائقة في إدارة مهامه السياسية الخارجية بحنكة وحكمة وذكاء يشهد لها كثر من الملوك والحكماء والرؤساء والحكام والسياسيون في سائر أنحاء العالم.
هذا كما أمر خادم الحرمين بتعيين السفير السعودي في أميركا الأستاذ عادل الجبير، وزيراً للخارجية خلفاً للأمير سعود الفيصل.
هذا ولا بد هنا من الإشارة إلى آخر مواقفه الجريئة عندما ألقى كلمته المشهورة في القمة العربية السادسة والعشرون في 28-3-2015 في شرم الشيخ، وألقى كلمته المشهورة البليغة في مضمونها رداً على رسالة مرسلة للقمة العربية من الرئيس الروسي بوتين التي أوضح مضمونها فخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقرأها على الحاضرين بحسن نية نظرا لترؤسه القمة ومن مبدأ.. ما على الرسول إلا البلاغ المبين. موضحا فيها مواقف روسيا الاتحادية برسالة منافقة يتودد بها إلى الأمة العربية متناسيا تواطؤهم مع نظام بشار الأسد، وبتصرفه هذا يبدو كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال لكي لا ترى من حولها ظناًً منها أنهم سوف لا يرونها.. هكذا تبدو روسيا بمواقفها المخزية الداعمة للنظام السوري الجائر على شعبه سياسياً وعسكرياً، وذلك دون خجل واستحياء واعتبار لقادة الدول العربية الحاضرين في القمة...! لذلك انتفض سمو الأمير الشهم سعود الفيصل وزير الخارجية للمملكة العربية السعودية وأفحم الرئيس الروسي بوتين بشجاعة رده المقتضب الذي أذهل الحاضرين، وعلى رأسهم الرئيس السيسي.. وكان ذلك الرد المناسب نظراً للأوضاع المزرية في سوريا وللدعم غير المحدود لبشار الأسد بالأسلحة الروسية الهجومية لقتل الشعب السوري المغلوب على أمره وتدمير مدن بأكملها وتشريد الملايين وباستخدام الفيتو ضد أي قرار يصوت عليه لإنقاذ الشعب السوري متناسياً الاعتبارات الإنسانية ومخالفة القوانين الدولية والروسية التي تحرم مثل هذا الدعم غير المحدود للنظام السوري بقيادة إيران وحزب الله مما أدى ذلك إلى تدهور حال وأحوال الشعب السوري.
هذا ولا غرابة في رد سموه الواضح على الرسالة التي أرسلها الرئيس الروسي بوتين للقمة العربية وعلى سبيل المثال الشيء بالشيء يذكر، قال أحد مستشاري الرئيس الروسي الأسبق: «إن سعود الفيصل يتحدث بوضوح تام يجعل محادثيه في حيرة من أمرهم، كيف يكون وزير خارجية بهذا الصدق؟!»، كما قال رئيس الاتحاد السوفيتي الأخير غورباتشوف: «لو لدي رجل مثل سعود الفيصل لما تفكك الاتحاد السوفيتي». وامتدحه وزراء خارجية آخرون في العالم ومنهم وزير خارجية فرنسا برناركو شنار: «إن الأمير سعود الفيصل أكبر الساسة في العالم حنكة وحكمة»، وامتدحه ساسة آخرون من العالم كثر يطول سردهم.
لذا لا بد أن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي يعذر الأمير سعود الفيصل ويقدر شعوره ويتفهم جيدا مبدأ المملكة ومواقفها المتزنة تجاه قضايا الأمة العربية والإسلامية والدولية المصيرية والتي تسعى دائما تجنيب دول عالمنا العربي والإسلامي ويلات الحروب وتحقيق طموحات الشعوب بالعيش الرغيد والعدالة والمساواة والأمن والأمان والسلم العالمي.
ولم تأت حكمة وشجاعة سموه برده على رئيس دولة عظمى من فراغ بل ينطبق عليه القول المأثور.. ذاك الشبل من ذلك الأسد...
وهذا ما ورثه من مواقف والده الشجاعة. والحاصل على قلادة الملك عبد العزيز لاستحقاقه لها كما يستحقها الأمير سعود الفيصل، كذلك ويستحق أن تقلده الدول العربية وسام الشرف لمواقفه النبيلة وجهوده البناءة في خدمة قضايا الأمة الإسلامية والعربية، وتفويض جامعة الدول العربية بذلك.
كما يستحق أن يمنح سموه وأمثاله من رجال الوطن المميزين شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية والجامعات الأخرى، ويستحق أن يطلق اسم سموه وأمثاله من العظماء على أحد شوارع العاصمة بالرياض ومدن أخرى، نظير قيامهم بجهود جبارة وسعي حثيث لخدمة بلادهم وقضايا الأمة العربية والإسلامية، والجدير بالذكر أنه قام سموه بالمساعي المشهود بها بالرغم من حالته الصحية الصعبة..! ألبسه الله ثوب الصحة والعافية والقدرة على مواصلة مسيرته الخيرة لخدمة دينه ومليكه ووطنه والأمة العربية والإسلامية بمشيئة الله.
هذا.. ولا بد أن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مقتبل عمره يتذكر مواقف الملك فيصل بن عبد العزيز عندما وقف مع شعب مصر الشقيقة أثناء حرب أكتوبر من قبل أعداء مصر معلناً حينها تصميمه مع عدة دول عربية بقطع البترول ذلك الوقت. وعندما قطع النفط عن أمريكا قال مقولته الشهيرة: «عشنا، وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما..»
كما قال بالذكر آن ذاك لرئيس شركة التابلاين الأمريكية: «إن أي نقطة بترول ستذهب إلى إسرائيل، ستجعلني أقطع البترول عنكم».
وهذه المواقف الشجاعة والمشرفة والتضحيات بأهم دخل اقتصادي للمملكة من قبل الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية آنذاك كان من أجل حماية أشقائنا الأعزاء في مصر أرض الكنانة وقلب العروبة النابض, والحق يقال: هذا القرار الشجاع والموقف البطولي أذهل الدول العظمى المعتدية وتراجعت عن مواقفها العدائية.
الجدير بالذكر هنا أن الدعم الاقتصادي لمصر وشعبها لم يكن في ذلك الوقت بالذات فقط بل تكرر من قبل؛ حيث بعد حرب 1967 عند عقد مؤتمر القمة العربية في الخرطوم تعهد الملك فيصل بتقديم معونات مالية سخية سنوية حتى تزول آثار الحرب على مصر, هذا وتلا بعد ذلك مساعدات أخرى عدة في عهود ملوك المملكة السابقين في مناسبات وظروف مختلفة.
والآن نظراً للمرحلة الحرجة الحالية التي تمر بها منطقتنا العربية ولمواجهة خطر إرهاب العصابات الحوثية الموالية للأطماع الفارسية الإيرانية في اليمن كما في العراق وسوريا ولبنان قررت مملكتنا الفتية بالتضامن مع باقي دول الخليج ودول عربية وإسلامية مؤيدة بعزم المملكة بالقيام بعاصفة الحزم وبتكوين قوة تحالف عسكرية خليجية وعربية استجابة لطلب النجدة من الحكومة الشرعية في اليمن الشقيق لحمايتها من إرهاب فئة ضالة غررت بهم ودعمتهم إيران وحرضتهم بالانقلاب على الشرعية وهم انفصاليين عملاء من الحوثيين ومن الرئيس الخائن على صالح والمرتزقة التابعين له الموالين للنظام الإيراني للاستيلاء على مقدرات شعب اليمن وخيراته وتهديد أمن المملكة والمنطقة الخليجية والعربية. ونظرا لذلك أيدت أيضا كل من باكستان وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ودول أوربية أخرى وعالمية على هذه الخطوة المباركة.
ولتأكيد ذلك صدور موافقة مجلس الأمن بالإجماع على قرار دول مجلس التعاون بشأن الوضع في اليمن وباتت عقوبات مجلس الأمن نافذة بعد موافقته يوم الثلاثاء 14-4-2015م. وأشار المجلس بقراره (2216) الذي حظي بموافقة 14 دولة من أصل (15) وامتناع روسيا عن التصويت، الذي يطالب بوقف استخدام العنف وسحب قواتهم من صنعاء وبقية المناطق، وبفرض حظر السلاح على الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
ونظرا للإجماع الدولي المتوقع على هذه الخطوات لا بد هنا أن نشير أيضا إلى تضامن الشعب المصري وفخامة رئيسهم عبد الفتاح السيسي مع قرار مجلس التعاون والدول العربية المؤيدة وموقفه الواضح من خلال تصريحه الذي أدلى فيه أن من واجب مصر وشعبها الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول الخليج والشعوب العربية والإسلامية الأخرى والمشاركة في حماية اليمن وشعبها من الإرهاب الذي يهدد أمن أمتنا العربية والإسلامية المنبثق من الأطماع الإيرانية, لذلك قررت مصر التضامن مع قوة الردع العربية واشتراكها في عاصفة الحزم بقيادة وحزم المملكة العربية السعودية تلبية لنداء حكومة اليمن الشرعية وتضامناً مع الدول المشتركة في الدفاع عن حرية اليمن وشعبه الحر الأبي.
لذا فإن موقف مصر وشعبها وباقي الدول العربية والإسلامية مع عاصفة الحزم لم يأت من فراغ، بل أتى من مبادئنا الإسلامية السمحة وينطبق عليها قول الله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}، وعن ابن موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما قال رضي الله عنه: عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» وشبك بين أصابعه.
والله ولي التوفيق
- بهجت صادق المفتي