الأمن المروري في أي بلد من بلدان العالم لا يتحقق بجهود أحادية الجانب، وإنما لا بد أن تبذل تلك الجهود على وفق إستراتيجية بعيدة المدى، وبرامج وخطط عملية ذات سقف زمني معلوم تسهم بها جميع الجهات الرسمية والشعبية ذات الصلة بالموضوع، وبتخطيط ومتابعة لجنة وطنية عليا، تسمى (مجلس المرور الأعلى) أو (لجنة المرور المركزية) حين اعتمادها ستتولى تنفيذ كافة الإستراتيجيات المرورية، وخطط وبرامج العمل، لها أجهزة خاصة، وكواد بشرية مدربة ومؤهلة، تنتشر في عموم المملكة، من مهامها:
أولاً: جهود تعليمية وإرشادية إعلامية وتربوية تهدف أساساً لتأمين الالتزام الذاتي الطوعي بتشريعات المرور من قبل عموم مستخدمي الطرق العامة، من سائقين وركاب ومشاة .
ثانياً: جهود هندسية تتصل بتحسين تصاميم الطرق العامة وتوفير متطلبات السلامة المرورية فيها من إضاءة وعلامات وتخطيط وأسيجة وتصاميم ملائمة لحجم المرور وأنواع المركبات التي تستخدمها، إلى جانب جهود مهندسي السيارات في توفير متطلبات الأمن في صناعتها وأثناء استخدامها، كما يسهم مهندسو التخطيط في إعدادهم لتصاميم المدن الجديدة وتحديثهم لتصاميم المدن القديمة في مراعاة قضايا السلامة المرورية فيها.
ثالثاً: جهود قانونية على مستويات تشريع القانون المروري بما يواكب متطلبات الأمن المروري، وتطبيق القانون بعدالة وحزم من قبل المحاكم على منتهكي أحكامه وتنفيذ القانون المروري من قبل الأجهزة التنفيذية المختصة.
رابعاً: جهود صحية وقائية وعلاجية تتجسد في تدقيق شروط اللياقة الصحية في طالبي إجازات السياقة، وفي تأمين الإسعاف الفوري والعلاج الفعال للمصابين بحوادث المرور، منعاً لتطور إصاباتهم بما قد يؤدي إلى وفاتهم أو عجزهم، وعلى وفق الظروف الطارئة.
ومن أجل تحقيق الأمن المروري، بأسرع وقت وبأقل التكاليف، ينبغي أن تقوم الإستراتيجية الوطنية لتأمين السلامة المرورية على الأسس الآتية :-
1) تصعيد عمليات التوعية المرورية للمواطنين والمقيمين من خلال اتخاذ الإجراءات الآتية:
أ- تكثيف الإعلام المروري عن أحكام قوانين المرور بمختلف وسائل الإعلام وبخاصة الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات وإيضاح قواعد السير والمرور التي لو التزم بها السواق والركاب والمشاة لانخفضت حوادث المرور بنسبة عالية، وذلك من خلال ندوات يعقدها مدراء ومسؤولي المرور، وتشجيع ومساندة الكتاب لإعداد المقالات أو الدراسات.
ب - تشجيع الجهات الإعلامية على تنظيم ندوات حوارية موسعة عن قضايا السلامة المرورية يشترك فيها أطباء ومهندسون وقانونيون مع مسؤولي المرور .
ت- مساندة وتطوير البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تهتم بقضايا المرور وتشجيعها والاهتمام بها.
ث- تصعيد الاهتمام وزيادة العناية بالدورات الثقافية لسواق المركبات الحكومية والأهلية وطالبي إجازات السياقة العمومي والخصوصي على وفق برامج جديدة تواكب المستجدات في قضايا السلامة المرورية وبخاصة في مجالات التعريف بالحدود القانونية لسرعة المركبات ومخاطر تجاوزها، وبالعقوبات المقررة في قانون المرور على كل من يعارض أو يهين أو يهدد أو يعتدي على رجل المرور أثناء أداء واجبه أو بسبب ذلك، وكذلك بأخطار قيادة المركبة برعونة أو إهمال.
ج- العمل على تشجيع القطاع الخاص لتأسيس مكاتب جديدة في هذا المجال والسعي لمواكبة التطورات في أجهزة وأساليب التعليم والتدريب فيها .
ح- حث الجهات التعليمية والتربوية وخطباء المساجد على إيلاء قضية السلامة المرورية جانباً من اهتمامهم، بما يرتقي بتلك القضية إلى مستوى القضايا الوطنية الكبرى.
أن المجلس الأعلى للمرور المطلوب إيجاده يكون مسؤول مسؤولية تامة عن تحقيق (الأمن المروري) لأن (الأمن المروري) لا يقل أهميته عن (الأمن السياسي) أو (الأمن الجنائي) أو (الأمن الاقتصادي) بل إن الوعي بحقيقة كون ضحايا حوادث المرور في بلادنا هم الأكثر نسبة من بين مجموع الحوادث والكوارث الأخرى.
2) ومن اجل ذلك ولأجل مواكبة التطورات الجديدة يجب عمل الآتي:
أ- تنظيم إدارات المرور من جديد وإعادة هيكلتها.
ب- إعادة مبدأ التخصص في تأهيل وإعداد رجال المرور بمختلف مستوياتهم من الضباط وصف الضباط.
ت- العمل على استحداث مديرية مرور للطرق السريعة وأخرى للطرق الداخلية وجعل ذلك في خانة الضرورة الهامة.
ث- الإحصاء المروري، والبحوث والدراسات المرورية، والتدريب المروري، استخدام آخر ما توصلت إليه التقنية الجديدة والحديثة في إدارة العمل المروري، مسائل ضرورية تحتاج إلى دراسات ميدانية لكشف واقع الحال الراهن ووضع الخطط اللازمة للنهوض بها على أسس تواكب احدث النظم المعمول بها في الدول المتقدمة.
إن مشاكل المرور أضحت لدينا من أهم المشاكل، والعناية بأجهزة المرور ورجاله وإداراته وتنظيماته على أسس متطورة، مظهر حضاري وتعزيز امني وتطوير إداري، ولذلك يكون صائباً القول بان إعادة تنظيم المرور ومضاعفة وتطوير أساليب ووسائل عمله، ورعاية العاملين فيه مادياً ومعنوياً في متطلبات تحقيق السلامة المرورية في بلادنا، خاصة وان لدينا قيادات وطنية متخصصة قادرة على ابتكار الجديد المفيد في إدارة وتنظيم المرور.
3) إسهام المجتمع المدني في السلامة الوطنية:
المجتمع المدني الذي يتجسد بالصحافة ووسائل الإعلام الأهلية الأخرى، والمعاهد والمؤسسات التعليمية الأهلية، أضحت من مكونات الدولة الحديثة يتكامل دورها مع دور المؤسسات الحكومية. واهم ما يميز أعمال المجتمع المدني أنها تطوعية ولا تستهدف الربح وتسعى التحقيق مصلحة عامة أو مصالح خاصة لأعضائها لا تتعارض مع المصلحة العامة، ومن المصلحة الوطنية العليا أن يسود التعاون ويتطور التكامل بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في الحفاظ على النظام العام وتوطيد الأمن والاستقرار بكافة أشكاله في المجتمع، وبالأخص السلامة المرورية.
4) تصعيد الخدمات البلدية والصحية لأغراض تأمين السلامة العامة والمرورية:
لذلك ومن اجل تصعيد الخدمات البلدية والصحية لتأمين الانضباط المروري في بلادنا لابد من العناية بالمسائل الآتية:
أ- التزام دوائر البلدية في جميع مدن ومحافظات البلاد بالوفاء بالتزاماتها المحددة بموجب قانون إدارة البلديات في مجالات العناية بالطرق العامة ضمن حدودها الجغرافي، وإنارتها، وتأثيثها بوسائل السلامة من علامات إرشادية وتخديرية، وإدامتها وإزالة المطبات والحفر فيها بأعمال الصيانة الدورية والمحافظة على نظافتها وتحسين وسائل تجميلها بالتشجير والأسيجة وغير ذلك.
ب- العناية بإنشاء وتنظيم مواقف السيارات، ومواقف النقل العام، ومعارض بيع وشراء السيارات في أماكن لا تؤثر على انتظام حركة المرور ولا تشكل خطراً على مستخدمي الطرق العامة من المشاة والركاب.
ج- الاهتمام في إعداد التصاميم الأساسية للمدن والمحافظات بقواعد السلامة المرورية على وفق معطيات علم التخطيط الحديث،، وبما يمنع تداخل حركة مرور المركبات بأماكن سير المشاة، وبما يفصل بين الطرق الداخلية والطرق الخارجية، وبين مسارات المركبات الثقيلة عن مركبات النقل الصغيرة.
5) تصعيد الخدمات الصحية من خلال:
1) زيادة العناية بفحص طالبي إجازات السوق للتأكد من توفر الشرط القانوني بتوفر متطلبات اللياقة الصحية للسياقة وبخاصة سلامة الأطراف، البدن والنظر، وعدم الإصابة بالأمراض المانعة من السياقة كالصرع والتخلف العقلي والفصام النفسي أو الإدمان على المسكرات أو المخدرات.
2) التوسع بتأمين تواجد مراكز الإسعاف الفوري بكامل معداتها على الطرق الخارجية وطرق السير السريع.
3) التنسيق مع وزارة النقل من أجل إيجاد نظام اتصال فعال على الطرقات يتيح لمن يتعرض لحادث مروري أو يشاهده إمكانية الإبلاغ عنه ليتسنى تحريك وسائل الإسعاف اللازمة، وإنقاذ المصابين
4) تحسين خدمات أقسام الطوارئ في عموم المستشفيات والمستوصفات داخل المدن وخارجها، على وفق احدث قواعد الطب الاستعجالي والحالات الطارئة، بما يساعد في تأمين وإنقاذ المصابين في حوادث الطرقات .
5) تعاون دوائر الصحة مع مؤسسات الدفاع المدني في توفير المعدات اللازمة لفتح ثغرات في المركبات أو العمل على رفعها أو تعديلها لتسهيل مهمة إخلاء المحاصرين ومنها:
- المقصات والفتاحات
- الوسائد والحقائب الهوائية بمقاسات وقدرات مختلفة
- وسائل قطع معادن مختلفة
- أجهزة السد والرفع الميكانيكية (الروافع)
- قاطع للزجاج مع أفرخ لاصقة للزجاج لتفادي تناثره أثناء إزالته أو قطعه
- سلاسل ومجموعة كتل خشبية للمعاونة في أداء المعدات الأخرى
6) الحزم في التدابير القانونية ضد الانتهاكات للقانون المروري:
مع أهمية الإرشاد المروري، والتربية المرورية، والإعلام المروري، إلا أنها ذات نتائج بعيدة المدى في تحقيق الانضباط المروري، لذلك تكون الحاجة للحزم في التدابير القانونية ضد منتهكي القانون المروري ماسة وضرورية وملحة، على أن تمارس بإطار العدل والحكمة واحترام الإنسان.
أن انتهاك القانون المروري له درجات مختلفة ويمكن تقسيمها إلى :-
- ارتكاب الجنايات المرورية أي الحوادث التي تؤدي إلى الوفاة.
- ارتكاب الجنح المرورية أي الحوادث التي تؤدي إلى مرض أو عاهة مستديمة أو أضرار مادية جسيمة، وكذلك السياقة الطائشة كالسرعة الشديدة أو تحت تأثير المؤثرات العقلية، أو بدون إجازة السياقة أو بدون لوحات.
- ارتكاب المخالفات المرورية ومنها مخالفات المشاة.
فما هي الانتهاكات للقانون المروري التي ينبغي الحزم في مواجهتها، لاعتبارات الأمن العام والسلامة المرورية والحفاظ على هيبة القانون؟
أ) الحزم في مواجهة انتهاك القانون المروري في قيادة المركبات (سيارات أو دراجات) بدون لوحة تسجيل نظامية، لان هذا الانتهاك فيه مخاطر أمنية على الدولة وعلى الأفراد.
ب) الوقوف في الأماكن الممنوعة وخاصة في الشوارع الرئيسية والتقاطعات المهمة.
ت) القيادة بسرعة شديدة، وبرعونة وإهمال لأنها أخطر سبب للحوادث المميتة ولأن الحد من هذه الجريمة هو المدخل الموضوعي لتخفيض حوادث المرور.
ث) قيادة الأحداث للسيارات بدون إجازة سياقة تعرضهم وتعرض غيرهم من مستخدمي الطريق للخطر.
ج) انتهاك الإشارات المرورية النظامية تحدي صارخ للقانون يشجع على انتهاكات أخرى.
ح) اجتياز الجزر الوسطية أو الصعود بالسيارة على الأرصفة لغرض اجتياز السيارات الأخرى في حالات الازدحام مظهر تحدي للقانون المروري.
د) استخدام أجهزة تنبيه ممنوعة تثير أعصاب الناس وتكشف عن نزعة استهتار، وتحدي لمشاعر الناس، ينبغي أن تواجه بعقاب قانوني صارم.
ذ) سير المركبات التي تحمل أرقام غير سعودية خلافاً لتعليمات الجمارك وقانون المرور فيه مخاطر أمنية وانتهاك واضح للقانون المروري.
ر) استخدام الستائر والزجاج المضلل في السيارات مخالفات مكشوفة، واستمرارها بالسير بالطرق العامة يكشف للجمهور انتهاك علني للقانون.
ز) سير المركبات القديمة ذات المحركات المستهلكة التي تنفث دخانا كثيفا أثناء سيرها، مما تسبب إزعاجاً للمشاة والسائقين الآخرين، وتلويثاً خطيراً للبيئة.
إن من مهام المجلس الأعلى للمرور التكاملية في تنفيذ التشريعات ذات الصلة بالنقل والطرق والمرور ويسهم في إيجاد التشريعات وتنفيذ هذه التشريعات على أرض الواقع تقليصاً لخطر وكوارث الحوادث المرورية التي أخذت بالازدياد والتفاقم رغم التشريعات والجزاءات التي استحدثت مؤخراً، إلا أن هذا لم يكن رادعاً كافياً لتقليل من هذه الحوادث المميتة المكلفة التي تجاوز ضحاياها ضحايا الحروب بكل أشكالها وأنواعها وبشاعتها.
ramadanalanezi@hotmail.com
@ramadanjready