إن تحقيق أهداف ومبادئ وغايات الدول السياسية بفعالية على أرض الواقع وبكفاءة عالية يتطلب قوة كلية تتكون من قوتين كل واحدة تكمل الأخرى وتتبادل معها الأدوار حسب الحالة على الأرض، أحدهما قوة ناعمة والأخرى قوة عسكرية، والقوة الناعمة تتكون من ثلاثة أقسام الأول الدبلوماسية المباشرة: وتعتمد على الحوار السلمي المباشر وتبادل الآراء والإقناع بالحجة والبرهان بين الطرفين للوصول إلى الاتفاق على حماية المصالح المشتركة. والقسم الثاني السياسة الدولية: التي تتمثل في قدرة تأثير بعض الدول على البعض الآخر في اتخاذ المفاهيم والاتجاهات والطرق، وحث بعضها لتبني وفعل ما تريده من البعض الآخر بوسائل الحوار والإقناع بدلاً من الإكراه والإجبار، ومن خلال الهيئات الدولية مثل جامعة الدول العربية ومجلس الأمن والأمم المتحدة الذي يتيح لبعض الدول المؤثرة من الحصول على التأييد العربي والشرعية الدولية، كي تقف معها الدول الأخرى وتشاركها وتتعاضد معها في تنفيذ عملياتها العسكرية ومشاريعها السياسية. والقسم الثالث القوة الاقتصادية: وهي قوة فعالة بعدة مستويات يمكن استخدامها للتأثير على بعض الدول تبدأ من إعطاء المعونات أو منعها أو المقاطعة الاقتصادية بين دولتين أو أكثر أو من خلال قرار أممي يصل إلى حد الحصار الاقتصادي الكامل مثل الحظر الاقتصادي المفروض على إيران. والمكون الآخر للقوة الكلية هو القوة العسكرية: التي ترتكز في النهاية على التدخل العسكري المباشر بعد فشل القوة الناعمة لفرض الطرق والاتجاهات والمفاهيم التي تحقق المصالح الوطنية للدول التي تلوح بالتدخل العسكري. وبناء قوة كلية (قوة ناعمة + قوة عسكرية) ذات تأثير شامل ومرتبطة مع بعضها البعض بإطار من السياسة الحكيمة، يرتكز على عدد من الاعتبارات الأساسية الاعتبار الأول: تحديد الدولة المقصود استخدام القوة العسكرية معها، وتحديد الأرض التي ستقوم عليها أرض المعركة مع دراسة طبيعتها الداخلية، وإدراك قدرها على نطاق أوسع لمعرفة مكانتها الإقليمية والعالمية، لأن القوة الكلية يجب أن تضع في اعتبارها سمات السكان، والعوامل الاقتصادية والظروف الجغرافية للدولة المناوئة. والاعتبار الثاني: دور القوة العسكرية في تكاتفها وتعاضدها ومساندتها للقوة الناعمة للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة، مع اختيار الوقت المناسب لنشر القوات العسكرية المناسبة (البرية أو البحرية أو الجوية) على أرض المعرة. والاعتبار الثالث: دور العضو الدائم الذي يمثل الدبلوماسية الدولية في الأمم المتحدة ومدى معرفته بمبادئ دولته وأهدافها السياسية وإمكانياتها العسكرية على تحقيق أهدافها الإستراتيجية.. إن توظيف القوة الكلية على أرض الواقع يعني إدراك علاقة التكاتف والتكامل وتبادل الأدوار بين القوة الناعمة والقوة العسكرية حسب مايقتضيه ذلك الواقع مع احتفاظ كل قوة بخصوصيتها التي تميزها عن القوى الأخرى. واستخدام القوة الكلية في إطار الإرادة السياسية للدولة يمكن أن يفعل على محورين؛ المحور الأول: القوة الناعمة تعمل على تعزيز القوة العسكرية من خلال الحوار على مائدة المفاوضات بالاشتراك مع التصريحات السياسية والتلويح بالتدخل العسكري بهدف الوصول إلى اتفاق يخدم المصالح المشتركة، والمحور الآخر: القوة العسكرية تعمل على تعزيز القوة الناعمة وبالتالي يجعل الأطراف المناوئة تستمع باهتمام وجدية وتجلس إلى طاولة الحوار السلمي المباشر. والأحداث على أرض الواقع تؤكد أن استخدام القوة الناعمة منفردة أو القوة العسكرية فقط، في بعض الحالات، لا يوافق الواقع ولا يلائمه ويعجز عن تحقيق الأهداف المنشودة، لأن بناء علاقة التعاون والتكامل مع الأطراف المناوئة وكسب تأييد الاتجاه العام لكل طرف يتطلب استخدام الحوار والدبلوماسية الناعمة، واستخدام القوة العسكرية في هذه الحالة سيترتب علية آثار عسكرية قد تضر بتحقيق الأهداف المنشودة، كما أن مكافحة التمرد والميليشيات المسلحة يتطلب القوة العسكرية لأن استخدام القوة الناعمة لكسب ودهم وتغيير مواقفهم لن يجدي نفعاً على أرض الواقع، وتغيير مواقفهم سيتطلب استخدام القوة العسكرية لمساندة القوة الناعمة.. إن النهج الذي تبنته السعودية في تحقيق أهداف عاصفة الحزم والتي تتلخص في تدمير الآلة العسكرية للمليشيات الحوثية وقوات صالح لإعادة الاستقرار والشرعية لليمن، هذا النهج يؤكد ضرورة وجود القوة الكلية لعلاج الأوضاع الراهنة في اليمن، ومن أهم مقومات تفعيل استخدام القوة الكلية الاستثمار الضخم في مجالات التحالف مع الدول الأخرى، والشراكة الدولية، وكسب توحيد الرأي الإقليمي وتأييد الرأي الدولي لتوسيع درجات التأثير السعودي على مختلف المستويات الإقليمية والدولية لتنجح القوة العسكرية في الحصول على الغطاء القانوني والشرعية الدولية لأي تحالف عسكري في المستقبل. وقرار الملك سلمان بإنهاء عاصفة الحزم وبدء عملية إعادةلأمل يجسد نجاح القوة العسكرية لتحالف عاصفة الحزم في تدمير الآلة العسكرية للمليشيات الحوثية وقوات صالح، والفرق بينهما أن عاصفة الحزم تعتمد على القوة العسكرية بينما عملية إعادة الأمل تعتمد على الدمج والتكامل بين القوة الناعمة والقوة العسكرية أو بمعنى آخر استخدام القوة الكلية لتطبيق سياسة العصا والجزرة، وعملية إعادة الأمل يراد لها أن تعمل في مسارين أحدهما يعتمد على الإقناع وبناء القدرات عن طريق الجلوس على مائدة الحوار والمفاوضات، والمسار الآخر البقاء على جاهزية القوة العسكرية واستعدادها لاستئناف الضربات العسكرية عند تراجع المليشيات الحوثية وحلفائهم عن الحوار أوعودتهم إلى استخدام السلاح لفرض سيطرتهم على اليمن مرة أخرى..
وخلاصة القول إن تطبيق سياسة العصا والجزرة (الترغيب والترهيب) يعني تبادل الأدوار بين القوة الناعمة والقوة العسكرية الذي يجعل عملية إعادة الأمل حافزاً للأطراف اليمينة المتصارعة للجلوس على مائدة الحوار للوصول إلى اتفاق سلمي يخدم مصالحهم المشتركة.
Twitter@khalidalheji