سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة المحترم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
أشير إلى ما نُشر في جريدة الجزيرة بتاريخ 12-6-1436هـ، تحت عنوان الدكتور القصبي، «وزير الشؤون الاجتماعية يتعاقد مع شركتين عالميتين لتشخيص أوضاع الشؤون الاجتماعية». إذ ذكر معاليه على خلفية رعايته لورشة عمل حول لجان التنمية الأهلية أن هاتين الشركتين العالميتين سوف تقومان بتشخيص الأوضاع لمعرفة ما هي الصعوبات والتحديات التي تواجهها الشؤون الاجتماعية، ووضع المقترحات لتحسين آلية العمل للوصول إلى أعلى معايير النجاح.
وقد ذكر معاليه أن الوزارة قد استعانت بشركتين عالميتين الأولى (برايم وتزهاوس - كبريزر (DWC) والثانية (PEG)، وسوف تقدمان خدمات استشارية لتخيص الوضع الحالي للوزارة من خلال أربعة مسارات: الإستراتيجية والنموذج التشغيلي والخدمات والهيكل التنظيمي والموارد البشرية وتقنية المعلومات.
وتشمل هذه الدراسة وكالات الوزارة الثلاث: الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية.
أقول إن هذه الشركات أجنبية وليس لديها معرفة بشرائح المجتمع السعودي وتقاليده وعاداته وتركيبته ونسيجه الاجتماعي.
والحقيقة أن ليس هناك اعتراض على ما تقوم به الوزارة من دراسات في هذه المجالات المهمة، ولكن حبذا لو أُسندت هذه الدراسات لجهات مختصة في مجال العمل الاجتماعي بالمملكة أو أُسندت لإحدى الجامعات السعودية المتخصصة في المجال الاجتماعي كالخدمة الاجتماعية وعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى، حيث إن مثل هذه الجامعات لديها خلفية حول المجتمع السعودي واحتياجاته، كما أن هناك مراكز بحثية مثل المركز الوطني للدراسات الاجتماعية بدلاً من إسناد هذه المهمة لشركات عالمية بمبالغ باهظة قد تصل إلى الملايين من الريالات.
وقد سبق أن استعانت الوزارة في السابق بشركة فرنسية لتطوير الدور والمراكز الاجتماعية، وقد قابلت أنا شخصياً بعض أفراد هذه الشركة عندما كنت مديراً لدار التوجيه بالرياض قبل حولي 25 سنة ولم أجد عندهم خلفية عن المجتمع السعودي بتاتاً لا من قريب ولا من بعيد، ولم تتم الاستفادة من الدراسات التي قامت بها تلك الشركة، حيث كان كل اهتمامها هو تحديد أماكن إنشاء مراكز الخدمة الاجتماعية في القرى والهجر، ولم توفق في هذا لعدم معرفتها بأعداد السكان في تلك القرى والهجر ولا تركيبتهم الاجتماعية. وقد تفردت الدولة منذ توحيدها على يد -المغفور له بإذن الله- الملك عبد العزيز عام 1351هـ رعاية الأيتام، وكانت تتبع الرئاسة الملكية في ذلك الوقت وتحظى بالدعم منه شخصياً -رحمه الله- لأن الأيتام لهم ورعايتهم أهمية خاصة، كما أوصى الرسول عليه السلام في الحديث الشريف (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وعندما تم إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية في عام 1381هـ تم ضم كل ما يخص الأيتام وذوي الظروف الخاصة والأحداث وكبار السن للوزارة، ثم تم افتتاح الدور الخاصة بالأحداث المنحرفين عام 1392هـ، وكنت من أوائل من واكب تأسيس دور الملاحظة، ثم انتشرت دور رعاية الفتيات في كل من الرياض ومكة المكرمة والأحساء، واستمرت وكالة الشؤون الاجتماعية في إدارة هذه الدور من قبل خبراء اجتماعيين سعوديين عملوا في هذه الدور سنين طويلة كسبوا الخبرة والتطوير أفضل من الأجنبي، وقد ساعدهم وأسهم معهم بعض إخواننا من العرب حيث كانت تزخر بالإمكانات البشرية المؤهلة علمياً وعملياً، ثم تلا ذلك إنشاء المراكز الخاصة بالمعاقين من أجل رعايتهم وتأهيل من تسمح حالته بذلك.
وكل ما أخشاه أن تمر هاتان الشركتان بالتجربة نفسها التي مرت بها الشركة الفرنسية لبعدهم عن عادات وتقاليد المجتمع السعودي وليس لديهم إلمام بقضايا الأسر السعودية، وتقدم في النهاية تحاليل وتقارير لا يستفاد منها.
إن لدينا العديد من مراكز البحوث الاجتماعية إضافة إلى المركز الوطني للأبحاث التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وجميع تلك المراكز البحثية تعمل على دراسة مشكلات المجتمع والظواهر السائدة، وتضع الحلول لمعالجة تلك الظواهر قبل أن تصبح ظاهرة متفشية مثل زيادة معدلات انحراف الأحداث بين الشباب الذين ترعاهم الوزارة ومن ثم ينتشر الانحراف ويصعب حله، إضافة إلى وضع الحلول وتطوير الدور والمراكز من حيث تطوير الإمكانات البشرية والفنية والمباني رجالاً ونساء.
أما الاتجاه للشركات الأجنبية لتشخيص إستراتيجية الوزارة أو النموذج التشغيلي والخدمات أو الهيكل التنظيمي والموارد البشرية أو تقنية المعلومات فقد قامت جامعة حائل كمثال بدراسة لتطوير قدرات العاملين في الشؤون الاجتماعية في المنطقة، وقد نجحت التجربة.
وإنني أقترح أن يتم تدريب الشباب والشابات الذين يدرسون في فروع الدراسة الجامعية في مجال العمل الاجتماعي تدريباً ميدانياً في فروع الوزارة أثناء دراستهم الجامعية للحصول على الموارد البشرية المدربة للعمل في الوزارة، وأن يكون هذا التدريب تدريباً مكثفاً وعالياً وليس لمجرد النجاح.
وبالنسبة للهيكل التنظيمي فهو الهيكل الوزاري المعمول به في الوزارات كافة في المملكة ولا يمكن تغييره، وأخيراً أتمنى أن تلقى كلماتي آذناً صاغية، والله الموفق لما فيه خير الوطن والمواطنين.
مندل عبد الله القباع - خبير اجتماعي