إن من معاني الإشراق الإسفار والظهور والإنارة، وقد جعل الله الشمس في كوننا آية من آياته، فعن سيدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) فحري بنا نقف بعض الشيء مع هذه الآية العظيمة: إن في تكوين ونظام هذه الآية أنها تشرق كل يوم، وأنها كذلك تمدَّ الأرض بالطاقة، ومما يدركه أهل الوعي أن كل شيء في هذا الكون هو عبارة عن طاقة وترددات (إرسال/استقبال)، فالشمس بإشراقاتها ترسل تردداتها والأصل فيها النفع التام لنقوم نحن بالاستقبال، وهذا هو أول درس لنا في الإشراق والشروق والمتحور حول إجابة هذه الأسئلة: ما هي إشراقاتك اليومية على الوجود ككل وعلى زملائك في العمل وعلى زوجتك وأولادك وعلى والديك وعلى نفسك نعم نفسك التي بين جنبيك وعلى بيتك، بل وعلى حديقة بيتك وأشجارها وأزهارها؟ بماذا تُمدُّ كل أولئك؟ هل تمدهم بترددات الحب والجمال والسلام واللطف والود والرقة؟ وتعال إلى نفسك أيضا فبماذا تمدها من أفكار ومن مشاعر؟ وهل ترسل لها ترددات أفكار ظلامية أم نورانية؟ وهل ترسل لها ترددات مشاعر سلبية أم إيجابية؟ حتى جسدك كأحد أبعاد نفسك هل أنت ترسل له ترددات شفاء وتعاف أم ترددات مرض وكسل ووهن؟ حتى وإن أبسط معاني الإشراق على جسدك أن تهتم بنظافته وهندامه بشكل مستمر. إنك كلما كنت قادرا على الوعي بماذا ترسل لنفسك من إشراقات ولمن هم حولك كلما أمكنك ذلك من العيش الطيب المتناغم والمنسجم والمتفاعل بشكل إيجابي والمشرق. إن الإشراق المقصود به في هذا المقال هو كل عمل برٍّ تقدمه أولا لنفسك ثم لكل الوجود حولك بأشيائه وأشخاصه إنه تعاهد واستمرار على كل جميل من النوايا والأقوال والأفعال والأفكار والمشاعر إن إشراق الشمس اليومي هو تجدد يومي لتقول الحمد لله على هذا اليوم الجديد ولتستمتع بإشراقاتك فيه يقول المفكر (Deepak Chopra): كل يوم هو عالم جديد ولكننا نقطنه كأناس لا يعرفون كيف يكونون بصفة الجديد. وبما أن ضوء الشمس يعتبر المصدر الرئيس للطاقة فهنا ثمة لفتة أخرى ودرس لطيف يتبارد إلى الذهن وهو: هل أنت مصدر كما أن الشمس هي المصدر بمعنى هل أنت مصدر للحب والجمال والسلام والمال والعطاء؟ أم أنك مصدر للصراخ والقلق وإثارة المشاكل والألم والتأنيب والحسد والكراهية؟ وهل أنت مصدر للوفرة والثراء؟ أم أنك مصدر عوز واحتياج دائمين؟!
إن الوعي ليس ادعاءات ولا شعارات إنه بالضبط هندسة أحداث نحو ما تركز عليه وما تنويه فإن كنت تنوي وتركز على الإشراقات فإنها ستتتابع وتتكاثر في واقعك أعرف طبيبة استشارية في أحد أكبر المستشفيات في الرياض سقطت وهي تقوم بجولة على مرضاها ولما أدخلوها إلى غرفة الطوارئ اكتشفوا إصابتها بجلطة وعملوا لها ما يلزم، وتحسّنت بقدرة الله بشكل سريع، والأمر الذي أذهل طبيبها المباشر أنها عادت تمارس حياتها بشكل طبيعي وعادت إليها ذاكرتها التي فقدتها مؤقتا، وكذلك عادت إلى النطق بشكل سليم كل ذلك تم في وقت وجيز ولما كنت أتحدث مع صديقي زوجها قلت له يبدو أن زوجتك صاحبت أعمال إشراقية خاصة بينها وبين الله، فأكدَّ ذلك، وقال إنها صاحبت أيادي بيضاء على اليتامى والمساكين، بل إنها كتبت في وصيتها أن نصف مالها يذهب إلى أولئك اليتامى وطلاب المساجد هذا بالضبط هو الإشراق الروحي/العبادي الذي لا بد أن نعيه ونمارسه فهو أسلوب حياة يجعلك في تزامن مع الله واتصال قوي به وعلى مقدار ما تكون مشرقا على مقدار ما تأتيك الإشراقات السماوية حتى وكأنها منجيات وهدايات لك نحو الأفضل والأجمل والأطيب تخص أولئك المشرقين دون غيرهم، إننا ونحن نتحدث عن الإشراق من الجميل أن نستحضر إحدى الإشراقات القدسية كما في كتابنا المقدس {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وإذا اتفقنا على أن الإشراق هو أعمال البر الصالحات فأبشروا بوعد الله ومن أصدق من الله قيلا وها هي المكافأة الإلهية بين أيدينا بأن تكون حياتنا هي الحياة الطيبة وليس ذلك وحسب، بل والجزاء بأحسن مما كنا نعمل. لقد آن أوان الإشراقات فكونوا على وعي بها وأكثروا منها فمن كانت إشراقاته كثيرة كانت حياته طيبة وسعيدة ومن قلت إشراقاته ضاقت عليه نفسه وحياته. إن الوعي بالإشراق ثقافة لا بد من رفع مستواها وتفعيلها كإحدى البوابات العظيمة لأنفسنا ولأسرنا ولأوطاننا وللوجود والكون بشكل كامل، حيث إن مثل هذه الثقافة كما لا يخفى على أحد تشكل فيما تشكله سلوكيات الفاعلين الاجتماعيين/أفراد المجتمع. ومما أحب أن أشير إليه هو أن خطابات كتاب الله وخطابات سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة تعتبر مليئة جدا بالوعي الإشراقي، ولو تتبعنا ذلك لطال الأمر بنا وبما أن الخطاب الديني يعثقافة وبالتالي فهو يساهم في تشكيل سلوكيات الفاعلين فمن المهم أن يولي خطباء المساجد في خطبهم تلك الإشراقات فحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) هو إشراق روحي كبير إذا تم تطبيقه كما هو وتفعيل العمل به وكذلك حديث {أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ} والشواهد كثيرة ومشاهد وأحداث الحياة هي الاختبار الحقيقي لمستوى الوعي وثمرة كل نص وعلم هي التطبيق وبلا تطبيق ينحسر مستوى الوعي ويكون في أقل مستوياته فأشرقوا في كل الأزمنة والأمكنة وعلى كل الأشخاص والأشياء إننا في حديثنا عن الوعي بالإشراق نتحدث بشكل مباشر عن الوعي تلك الحالة العالية من الإدراك والفطنة، وبالتالي فإن أقوى ما يقويك هو أن تعيش حياتك بكثير من الإشراقات وليس ذلك وحسب بل وعلى المجالات الحياتية كافة. إنك ما لم تكن واعيا للإشراق ومصدرا له فلن تكون قادرا على الانسجام والتفاعل والتناغم مع الله أولا ثم مع نفسك ومن يحيط بك من الأشخاص والأشياء وكل الكون. وعليكم بالبقاء في ترددات الشمس صاحبت الإشراق الأول لتزداد تردداتكم إشراقا قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}.