المعلم كنز مهمل، وثروة ضائعة، يتغافل عنها المغفّلون، فتجد أن معظم محبيه يبحرون مع أُناس في جدالٍ عميق شديد الغموض... حتى لو أنرت فيه شمعة وضائه فستُربكك المحبين آراؤه العقيمة وأفكاره الغريب. وستجد نفسك أثناء محاورته أنك في رحلة مليئة بالكوابيس، رغم أن جل فضل وشرف المعلم كلها تدور في ذلك البيت الذي يبدو طبيعياً من خارجه.. إلا أنه يحوي في داخله معاني فريدة من نوعها متى ما تأملنا وأدركنا ذلك في وصف أمير الشعراء «أحمد شوقي» عندما قال:
قم للمعلم وفه التبجيلاً
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجلّ من الذي
يبني وينشئ أنفسا وعقولا
أخي القارئ/ أختي القارئة: ورد فضل العلم والمعلمين في أكثر من آية قرآنية، وأحاديث نبوية شريفة، وأقوال مأثورة كثيرة، وليس أدل من ذلك من قول الله سبحانه: «إنما يخشى الله من عباده العلماء»، ولا ننسى بأن المعلم عندما يوصل علمه إلى طلبته، فإنه يسهل لهم به طريقا إلى الجنة لقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»). ومن الأقوال المأثورة عن الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله: «لو لم أكن ملكا لكنت معلما. «إن المعلمَ خبرةُ حياتية ومنظومةُ إنسانية ذات معنى، نجني من لحظاته الفوائد العديدة، ولذلك لا تسأل أبداً عن زلاته وعثراته، بل: أسأل عن قيمته وحسناته... التي تجدها متغلغلة في كل المهن والحرف التي برعت وبرزت بفضل من الله ثم بعقل وجهد هذا المعلم.
فمن الذي علّم وخرّج الطبيب؟ إنه المعلم!
من الذي علّم وخرّج المهندس؟ إنه المعلم!
من الذي علّم وخرّج الطيار؟ إنه المعلم!
وأنا إذ أكتب مقالي هذا، إلا أن تلكم التأوهات والآهات تلازمني في كل لحظة وحين، عندما أرى ذلكم المتعلم ينسى أو يتناسى فضل معلميه... لكني مع كل هذا وذاك إلا أنني أعتبُ أشدُ العتب على من ينتظر الرد ممن علمه بكلمةٍ أو عبارةٍ ويحسبُ أنها مقايضة كما في بعض التبادلات التجارية. عذراً! ولنتوقف هنيهة لنعلم جميعاً أن تلكم المقايضة لا تُرتجى ممن مكث ووقف طويلاً ليُعلم ويُكسب من عنده المزيد من الثمرات والفوائد... ولكن لعلها تُرتجى وتُبتغى في غيرها من الأمور التي لربما تشبع فيها النهمات والراغبات.
المعلم باختصار: ما هو إلا تحفةُ عامرة وعملةُ نادرة، وليس سهلاً أن تصل إلى تلك المكانة مالم تضع نصب عينيك أخي القارئ/ أختي القارئة الإخلاص لله سبحانه في عظم وقدر هذه المسئولية، ثم بعد ذلك تحاول جاهداً في جعل ممن سخره الله تحت يديك يجني منك ولو ثمرة واحدة تنهل منها من خيري الدنيا والآخرة. وأخيراً... فإني أجزم يقيناً أن المعلم جوهرةُ ثمنية بين يديك فإما أن تستغله لمزيد من السعادة والنجاح، وإما أن تبقى غافلاً مغفّلاً فتخسر الكثير من الأشياء وتبقى في متاهات الحياة... الذي لا يجل قدر معلميه، فإنه لم ولن يسلم أبداً من نظرة مزدرى أو رد المثل بالمثل لمن سيعلمهم أو يُعايشهم أو يحتك بهم، هذا ما أحببت طرحه في هذه الصحيفة المتميزة؛ لأضعهُ بين أيديكم الكريمة، ولكم موافقتي أو معارضتي بمشاركاتكم وتعليقاتكم التي أحسبُ أنها يُذكّرُ بها الغافل ويُنّورُ بها الطريق لمحبي العلم والتعليم.
- وكيل كلية بيشة للتدريب