في كل يوم كانت سوسن تذهب فيه لعملها الصباحي يغتال فيها شيء من إنسانيتها ينسحب منها جزء من ذاتها التي لا تقوى على تغير ذلك الطريق المؤدي لعملها ولا تستطيع تغير شيء أي شيء سوى الصمت لكل ما تراه وتسمعه من آهات الألم التي يمر بها حين تجتاز هذا المكان متعمدة تحسس الواقع لترى همس الوجوه البائسة المتعلقة بها هموم الحياة المحمولة على أكتافه.
تعثر الحاضر بالماضي لكل المارة بتلك الأحداث لترمي لهم بالمعلوم من قروش بسيطة حين تنام على أزيز الرصاص وأصوات الصواريخ تختبئ بين زواريب الشوارع الضيقة تنام على أرصفة الوحدة البالية منها العيش المشردة تلك النفوس الميتة من اللا موت واللا حياة تتحايل معها نسائم خريفية مختلطة فيها رائحة العفن والدم ممزوجة بهموم الأيام المشردة السارحة بين خوابي الزمان تاركة المكان لتمتد يدها تارة إلى جيبها المندى بعرق الأموات وقوافي الأسماء لكل هذا الخراب والدمار..
ومرة تمتد يدها إلى حافظة نقودها لتخرج منها بعضا من القطع النقدية وأحيانا كثيرة الورقية منها تتناولها تلك الأكف الممدودة والعيون التائهة السارحة بين حرمان وهجرة روح وجوع والعوز لوجوه تلامس السراب تتحايل على الحياة لتأخذ منها الأمل ولو لبعض من الوقت حين تتوقف صواريخ النزف لكل الجروح على أرصفة الوطن، تنهار آمال المشردين التاركين مساكنهم, المدمرة منازلهم النازحين تحت الرصاص والقصف المشبوه بين كل مسافة ومسافة لموت محتوم.
تزدحم الساحات العامة والخاصة والطرقات المهجورة من ساكنيها لعدم الأمان، تهب عليهم نسائم قليلة من ضمائر المارة لرمي بعض مما تبقى من حافظاتهم المتخمة بنقودهم بتعداد حاجيات منازلهم والفائض ربما يأخذ طريقه لهؤلاء الذين يقتاتون الموت مع فتات الخبز إن وجد من الجوع متعطشة أرواحهم لهجرة ثانية نحو الزوال..
ليرحم جروحهم من بقايا الشظايا للصواريخ تلملمها طيور النورس وصهيل الجياد طعنا بالغدر لكل رحلة إلى الموت فحياتهم حسابها محسوم وتتوه سوسن عائدة مع وجع مؤلم تتابع الطريق لعملها محطمة بعد كل مرور لهذه الأماكن لتكتب بصحيفتها والعامود المخصص لها ما تراه عيونها كل صباح لأحداث مساء مشئوم كان أمس هكذا، تمضي يومها بين النار والرماد للأحداث التي يعيشها الناس حولها لإرهاب لا يتوقف حقده برغم كل الدماء التي جرت والأرواح التي رحلت ما زال الإرهاب موجودا يدمر معظم المدن كان يعيشها الناس بأمان.
- سهير عبدالله