فجأة تعالت أصوات أقدام ثقيلة على عتبات سلم المطبخ الثلاث المرمرية، وتلألأ المكان بلمعة أزرار ونياشين وزوج من التيجان والمقصات الذهبية، يعلوها شارب ضخم على رأس ضخم، لا يخلو من قسمات محببة مختفية تحت مسحة من الوقار والصرامة، طالما حرص عليها طوال سنوات خدمته.
فقد اعتاد عليها، واعتادت عليه، رغم فرارها منه أحياناً لحظات لقاء ابنه أحمد وابنته فرحة التي أسماها تيمناً باسم أمه فرحة، والتي شك يوماً أنها حقاً عاشت معنى ذلك الاسم.
دلف الباب الذي لم يعبره منذ دهر، وبصوت عميق: أليس في هذا المكان أحد؟ يعلن استفهامه كما اعتاد دوماً أن يفعل عندما يدخل على أحد مرؤوسيه، ويجد مكتبه خاوياً إلا من عدة معاملات مرتصة أو مبعثرة على تلك الساحة التي يصول ويجول فيها بين الأوراق، وقلمه يطعن هذا، ويداوي هذا، ويجرح آخرين، بل أحياناً يدمر. كان دائماً يغضب ويصيح: «اتقوا الله، نحن مؤتمنون».
اليوم ارتاح من أحمال تلك الأمانة رغم أنه لم يسعَ لذلك، ولم يختره، لكنه رضي به. أمرك يا سيدي؟ أعطني بعض العصير البارد؟ ولكن من أنت يا بني؟ أنا علي؟ آه، أنت ابن أحمد! نعم يا سيدي. وكيف حال أبيك اليوم؟.. بحمد الله يا سيدي، يبدأ أول أيام تقاعده.
- حمادة مصطفى البديوي