تنوير
حين يكون العلم نور، فالقراءة والاطلاع تنوير،
إدراك وتبصير، إيتاء أهل المعرفة وحتى أصحاب الفضول مورداً ينهلون منه، إطعام العقول الشغوفة وتزويد، الوقوف قليلاً على عتبة الحاضر، لوضع خطة لاكمال المسير، رحلة الألف ميل ربما تبدأ أحياناً بكتاب، بكلمة، بسطر، بإلهام.
جامعة الدمام تقيم معرض الكتاب الرابع على التوالي في كليات البنات تحت شعار (تنوير), تقيم الأرفف وترفع عماد التنوير، تزخر بالكتب بعيداً عن الكتب الجامعية والمقررات الدراسية، والاختبارات الحتمية والبحوث العلمية،› تصنع شمسا لا مغرب لها، وتمنحك طريقاً سالكاً، إنها دعوة ليست للقراءة فحسب ولأهل الثقافة فقط بل حتى للتزود والعلم بشيء واشباع فضول واستنارة.
اشتر كتاباً ضعه في غرفتك، اقرأه بعد شهر شهرين، سنة، ستمر عليه ذات لحظة ستلمس صفحاته كوقت مستقطع، ستقرأ مقطعاً يهوي بك، أو يحلق بك، الغنيمة هي الخلاصة التي خرجت منها، لايعنيني الكم الهائل من الكتب المقروءة، كم كتاباً أنار فيك فكرة، أشعل حماسة، وهبك فائدة.
الوقت ليس حجة، على الرغم من ضغط الدوام الجامعي، تراكم المحاضرات الساعات التي تصطف جانب بعضها، الفروض الجامعية والنشاطات، إلا أن ذلك جعل المعرض يقف في المنتصف حلقة تجمع عقلك وقلبك في آن واحد وربما قدميك، حين ينصب في (صالة الخزائن) في طريق الطالبات للدخول والخروج، فإنه من الصعب عليك حجب ناظريك عن التحف التي تنام فوق بعضها، رائحة الورق المشبع بالشعر والخواطر وحديث النفس وربما النزاع الفكري داخله يدفعك للمرور ولمسه والسلام على أقوام بيننا وبينهم سنون وألف حجاب.
الأركان التي تتوسد جنبات المعرض، البطاقات التي تحمل الاقتباسات، الورود التي تدفعك لخلق صباح فريد، فكرة أن تبتاع كتاباً ترفقه بوردة ثم يُعنى بتغليفه لك وإيصاله كبريد مفاجئ مفرح متلهّف، أظن أنها صيحة جديدة في عالم الثقافة.
ثقافة الهدايا، بالمناسبة إن احترت ماذا تكتب على بطاقة أو ورقة، دع قلبك ينطق بلا خوف، كلام القلب تأتأته أبلغ الشعور، ثم إن الورد يحكي، الشريط المعانق للهدية لونه المنتقى بعناية التفاصيل الصغيرة مثيرة، ناطقة بألسن الحب، اصنع ثقافتك، مجّد طقوسك،حضارة الروح لن تكون طللاً مادام عطاؤك لا ينضب، ركن (أسعد من تحب) ساهم في ذلك ،من أكثر الأركان التي وقفت عندها مهما كبرنا يبقى شعور الطفل الذي يقبض حلوى من يد جدته مغروز فينا، ثقل الدوام ينسيه وردة، أو لقاء بابتسامة، ذلك المجهود المبذول كان بلا مقابل، سلمت أنامل من سعوا لإسعاد القلوب بلا تكلف، ولا كلل ولارياء.
ركن ا(لطفل الثقافي) من الأركان التي عنيت بها الجامعة، زيارات مدارس رياض الأطفال،أطلقت طاقة ايجابية، وروح مفعمة بالغناء بلسان طفل متعلم، المغزى منه اطلاق فصاحته، ترويضه على التخاطب الافصاح عن مواهبه بعيداً عن أي خجل من مواجهة الجمهور.
من كليات الريان إلى كليات الراكة، فنجد أن الثقافة تمشي معنا في طريق ممهد، حيث يقام نادي (ألهمني لأقرأ)، فكيف يكون هذا الإلهام؟
دارت المسابقة السنوية للعام الثاني (قارئة الجامعة)، حيث يتم انتخاب مشاركات قارئات، في التصفيات على المرشحة للفوز بهذا اللقب أن تقف أمام جمهور ولجنة تحكيم، ثم تخاطب عقلي عن الكتاب الذي قرأته، قد تغير رأيي في كتاب، وقد تقنعني بقراءته، في النهاية تذكر أن الكتب ليس إجبارية كمنهج دراسي، إنها ذائقتك أنت، إلهامك المستمد منك فيك، لكن أن نتأثر ببعضها من الحديث عنها فذلك مدعاة لنشر القراءة، وربما لمن لا يقرأ ولا يهتم بالانكباب على الكتب إلا أن ذلك يوقد فيه الاطلاع ،حتى في الكتب الصغيرة ذات الكم البسيط والموجزة.
مايحدث الآن في الجامعات، أن البذور الساكنة في أنفس المبدعات، لا بد لها من بيئة خصبة تعنى بها، تتبنى كل جامعة طالباتها، تفخر بإبداعاتهن بطموحاتهن، تأخذ بأيديهن، تقام مثل هذه النشاطات حتى تصقل النفس المجبولة على الرقي، وعلى الصعود للقمم، وعلى المعالي، وهي كذلك أمة محمد تنظر للسمو دوماً والرفعة.
{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، إذن القراءة كرم من الله، لاتبخل على نفسك بقليل الكلام، هل لمست كتاب؟ اقرأ سطره، حاجج مؤلفه، دعّم وجهة نظرك، ارضخ في بعض الأمور وحارب في أخرى، تمتع بشخصيتك اصقلها بالتزود بالمعرفة، لاتكن في صفوف المتقاعسين، المنتظرين معجزة تحل عليهم فتستنهضهم، تحرك، المقاعد للاستراحة برهة وجمع القوى، اقبض كفاً تثق بأنها لن تفلتك بسهولة وامض، استعر كتاباً واكتب يومياتك وسمّ نفسك بما يسرّك أن تكون عليه يوماً، الأحلام ليست بعيدة نحن من نتراجع، اقترب.