قبل بضعة أيام نمت أنا وأولادي في بيت والدتي رعاها الله وأمد في عمرها..
كانت ليلة شاتية.. قارسة البرد.
دخلت أمي غرفتها لتنام فدخلت أنا لأنام أيضاً.. أردت أن أستيقظ باكراً حتى استمتع بجلسة صباحية معها
واحتسي فنجاناً من قهوتها التي ماذقت ألذ منها في حياتي..
لم أكد أضع رأسي على مخدتي إلا ووالدتي الحبيبة تدخل علي وهي تحمل غطاءً (بطانية) وضعته على سريري.
وهي تقول.. خذي يا ابنتي هذا الغطاء هو أثقل من ذاك الذي معكِ.. تغطي به جيداً فالبرد شديد أخشى عليك منه.
رعاكِ الله يا حانية.. ياروحاً سكنتني.. قلباً بحبه غمرني.. إليك أطأطئ رأسي بكل إجلالٍ وإكبار..
ثم إني أمسكت بيديها النحيلتين.. اليدان اللتان حملتا وأطعمتا وهدهدتا.. اليدان اللتان هدتاني مسالكي ودروبي.
وعلمتاني كل أبجدياتي.. أمسكتهما وقبلتهما والعبرات تخنقني..
والمآقي بالدموع امتلأت.. دعوت لها ورجوتها أن تذهب لتنام ولا تحمل همي..
ولكن هيهات فوالله إنها لا تزال تراني وكأنني طفلتها التي لم تكبر بعد..
ترقبني وتلحظ انكساراتي.. تدرك ألمي وتستشعر معاناتي.. توصياتها لي على نفسي لا تكاد تنتهي..
خرجت وهي توجه أطفالي بأن يلتزموا الهدوء كي أنام..
وما أن خرجت حفظها الله إلا وأنا التفت إلى ابنتي الصغيرة بجواري.
كانت مريضة ليلتها.. أخذت الغطاء الثقيل وغطيتها به..
وعذراً يانبع الحنان.. فأنا أيضاً أم وأحمل قلباً مثل قلبك.. قلباً يؤثر فلذة كبده على نفسه..
وهذه هي الأم يا أحبة.. هي العطاء بلا حدود..
وشمس تشرق في النفوس.. هي الحب هي الدفء هي الأمان..
هذه يا أحبة من وصى عليها ربنا في محكم آياته وتنزل بحقها الروح الأمين من فوق سبع سماوات، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يبين حقها ويحث على البر بها..
رزقنا الله وإياكم البر بوالدينا أحياءً وأمواتاً..
جزاهم الله عنا خير الجزاء {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.