رغم الشكوى المستمرة من تدني الأجور وارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على سد الاحتياجات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة، إلا أن ظاهرة النمط الاستهلاكي المظهري مازالت تتزايد، ومثال ذلك السيارات الفخمة، وأجهزة المحمول الحديثة، وارتياد المطاعم والفنادق الفاخرة وهذه الأنماط لا تقتصر على المدن الكبرى فقط، بل امتدت إلى القرى والمناطق الزراعية حيث أصبح الشخص البسيط يحرص على امتلاك أحدث أنواع الموبايل.
إن بداية ظهور الأنماط الاستهلاكية المظهرية ارتبطت بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات حيث تحول نمط استهلاك المواطن السعودية ليتشابه مع نظيره الأمريكي رغم الاختلال الشديد بينهما في مستوي الدخل وجدية كل منهما في العمل.
وكما هو مشاهد فإن أجهزة الاتصال أصبحت من أسوأ مظاهر الاستهلاك حيث نجده في يد الأطفال والحرفيين والعاطلين ويتفاخر الناس بما يمتلكونه من أنواع فاخرة وحديثة من المحمول.
لذلك أوكد على ضرورة أن تكون الحكومة قدوة لترشيد الاستهلاك إلا أن الوضع على عكس ذلك فنجد الوزراء وحاشيتهم وقد أنفقوا ملايين الريالات لتغيير أثاث مكاتبهم، وشراء أفخم أنواع السيارات!
تحولت المصارف إلى بيع الأجهزة والسيارات بنظام التقسيط مع رفع معدلات الفائدة إلى 23% كوسيلة سريعة للربح وحول طرق ضبط الأنماط الاستهلاكية السائدة! وهنا أشير إلى أهمية دور منظمات المجتمع المدني لتوعية المواطنين بالطرق الصحيحة للاستهلاك مع ضرورة أن يبدأ الإنسان بنفسه يستهلك على أساس دخله الحقيقي، وكذلك التمسك بالمنتج الوطني.
كما أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية أدي إلى ظهور أنماط استهلاكية تتمثل في تخزين الناس للسلع خوفًا من ارتفاع أسعارها مرة أخرى، بالإضافة إلى أن ثقافة التقليد أصبحت سائدة في المجتمع مما يجعل الناس يقبلون على شراء سلع ليسوا في حاجة إليها.
حيث إن مستوى الأجور متدنٍ ولا يستطيع تغطية التكلفة اللازمة للأنماط الاستهلاكية السائدة، كما لا ننسى الأثر الشديد للإعلانات على الخيارات الاستهلاكية للناس.
المحلات التجارية تمتلئ بالسلع الجديدة من مختلف الأصناف، وتمتلئ أيضاً بالمشترين المقبلين على اقتنائها حتى أن بعض هذه المحلات التجارية مددت ساعات العمل فيها إلى 24 ساعة في اليوم.
المنتجون يتفننون في ابتداع طرق جديدة للإعلان وترويج السلع. زيادة الميل إلى استخدام أوقات الفراغ (التي تزداد طولاً) في أنشطة تنطوي على إنفاق أكبر على مختلف السلع والخدمات. لم يعد الرخاء يعني مجرد اقتناء المزيد من الطعام، بل أصبح يعني الخروج لتناول الطعام في المطاعم والمقاهي، ولم يعد قضاء يوم على شاطىء البحر يعني مجرد تعريض الجسم للشمس والنزول في الماء للسباحة، بل أصبح يتطلب شراء مختلف السلع التي لم تكن تعتبر ضرورية بالمرة فأصبحت لا غنى عنها، كالقوارب الخشبية أو المطاطية، الصغيرة والكبيرة أو المراكب النفاثة، أو الأدهنة المختلفة لحماية الجسم من أشعة الشمس، أو النظارات الشمسية الفاخرة والقبعات والملابس الخاصة بالجلوس على الشاطئ دون غيره، أو مختلف الأواني الملائمة لحفظ المشروبات ساخنة أو باردة حتى يأتي وقت شربها.. الخ.
أصبح كل نشاط، من الذهاب إلى الشاطئ، إلى الانتقال إلى مكان العمل، إلى الاجتماع بالأصدقاء، بل وحتى القراءة والكتابة، عملاً «كثيف الاستخدام لرأس المال» (إذا استخدمنا المصطلح الشائع بين الاقتصاديين)، والمقصود هنا اقتران النشاط باستخدام سلعة مادية لم تكن تستخدم من قبل للقيام بنفس النشاط، الأمر الذي يستدعي بالطبع مزيداً من الاستهلاك.
هذه الأمور كلها تبدو ثقيلة على النفس لأكثر من سبب، فالمجتمع الإستهلاكي يعامل الإنسان كمستودع للسلع (والبعض يقول كصندوق قمامة)، يقضي حياته في عملية لا تنتهي من الامتلاء ثم التفريغ ثم الامتلاء من جديد، ويصّور حاجات الإنسان كما لو أنها حاجات غير محدودة فلا يكاد يشبع حاجة إلا وتظهر حاجة جديدة، ويتنافس الناس فيه على إشباع هذه الحاجات ويقيمّون مراكزهم الاجتماعية على أساس حجم استهلاك كل منهم من السلع والخدمات. وانشغال الناس المستمر بعملية الاستهلاك لا بد أن يكون على حساب أمور أخرى كانت تعتبر في الماضي أجدر بالاهتمام، كتنمية العقل، أو خدمة الآخرين، أو الاستمتاع بالطبيعة، أو بناء علاقات اجتماعية أفضل.. الخ.
إن الاستهلاك المظهري لم يؤثر على دول شرق آسيا إلا بالشكل الإيجابي، فبينما يستغل السعوديون الكمبيوتر والنت في ألعاب الـ Chatنجد الهند وقد استغلته في وضع برامج لمحو الأمية.
كما لم تتمكن العولمة كذلك من اختراق دولة مثل ماليزيا، فقد احتفظت بطابعها وأكلاتها الشعبية لذلك فقد فشلت مشروعات كنتاكي وماكدونالدز عندها كما تمكنت المطاعم الهندية من غزو العالم ومنافسة تلك المطاعم الشهيرة في كل أنحاء العالم، ولذلك فقد أصبحت دول جنوب شرق آسيا من أكثر الدول استفادة من نتائج العولمة، حيث احتفظت وتمسكت بالأجندة الوطنية للتنمية الخاصة بها، وأصبح الحاكم والمحكوم على قدم المساواة في المظاهر والزي.